شر البقر

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 5 سبتمبر 2009 - 10:51 ص بتوقيت القاهرة

 رحل محمود عوض، وقبلة صلاح الدين حافظ، وأحمد بهاء الدين ومصطفى شردى وجمال بدوى وقامات صحفية كبيرة يصعب تعويضها بسهولة، وفى المقابل تزداد سيطرة لوبى «الجهل والسمسرة والبزنسة» على مقدرات الصحافة المصرية.

الكلمات التالية ليست رثاء للراحل محمود عوض بقدر ما هى توجس وتخوف من رثاء مستقبل بأكمله.

صار هناك ما يشبه القاعدة، ففى مقابل كل قامة كبيرة نفقدها فى مجال الصحافة والثقافة خصوصا وبقية المجالات عموما، نجد صعودا مريعا لمعدومى الموهبة ومنافقى السلطات وكل من لديه قدرة على التلون. هذا التناقض هو الذى يصيب الموهوبين بالمرض قبل الأوان ولا يقتل موهبتهم فقط، بل ربما يقتلهم فعليا.

خزائن الحكومة وأموال دافعى الضرائب تهدر بالملايين يوميا فى معظمها على وسائل إعلام فاشلة، وصحفيين وكتاب لا يجيدون إلا مدح الحاكم وسب وعض معارضيه ومنتقديه، وفى المقابل ينزوى أصحاب الموهبة، وقد يموتون حزنا وكمدا من مناخ يعلى من قيمة الجهل والجهلاء.

يموت محمود عوض ويرحل عنا، «ولا تبقى على المراود إلا شر البقر»، كما يقول مثل شعبى معبر، يمرض المبدعون والموهوبون والمهمومون بقضايا أمتهم فى ريعان شبابهم، وقد يخطفهم الموت، أو تقتلهم الغربة بعيدا عن أوطانهم التى لفظتهم بعيدا إلى رطوبة الخليج اللزجة أو برودة الغرب القاتلة.. متع الله الجميع بالصحة والعافية، لكن الإهمال ومحاربة المثقفين الحقيقيين فى أرزاقهم ليس قدرا علينا الاستسلام له.

وحتى لا يتم اتهامى بالتعميم، أسارع بالقول بإننى لا أتحدث هنا عن محاولات فردية مشكورة تمت فى حالة الراحل محمود عوض قبل وفاته، مثلما فعلت صحيفة «اليوم السابع» على سبيل المثال، ما أقصده هو مناخ عام يشجع على إهمال المبدعين بل والتحريض على قتلهم معنويا، أو تركهم يموتون وراء لقمة العيش ومصاريف المدارس وإيجار المنزل.

هناك دول كثيرة تشترى الموهوبين وتعطيهم جنسياتها ليمثلوها فى مسابقات الرياضة، ونحن أصبحنا نتخصص فى قتل مواهب موجودة بيننا بالفعل.

أليس مثيرا للحزن وكل مرادفات الإحباط واليأس أن تهمل موهبة بحجم محمود عوض، ونتركه قبل رحيله مهموما بكيفية تدبير نفقات مرضه وعلاجه وشئونه الحياتية اليومية، فى وقت «يبرطع» فيه جهلاء لا أحد يعرف أسماءهم فى بعض عزب الحكومة الإعلامية. العزاء الوحيد أن اسم محمود عوض وأمثاله هو الباقى و«البقر» إلى زوال مهما استمروا جاثمين فى مراودهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved