مكتبة جامعة القاهرة والمصير المجهول

فاروق جويدة
فاروق جويدة

آخر تحديث: الأحد 5 سبتمبر 2010 - 9:59 ص بتوقيت القاهرة

 الحديث عن جامعة القاهرة يحمل الكثير من الشجون والمشاعر.. إن لهذه الجامعة عبقا خاصا ولها سحر قديم خاصة بين أبنائها، الذين عاشوا أمجادها علما وفكرًا وحضورًا . أشعر دائما بأن جامعة القاهرة ليست ككل الجامعات، فهى الأم، التى قدمت لمصر والعالم العربى أفواجًا من العلماء والكتاب وأصحاب الفكر..

ومن جامعة القاهرة كانت نقطة البداية لميلاد جامعات أخرى منها جامعة عين شمس.. وجامعة الإسكندرية وجامعة أسيوط.. ومن جامعة القاهرة كان ميلاد عدد كبير من الجامعات فى مختلف الأقطار العربية، وما أكثر المثقفين الذين حملوا لهذا الكيان العظيم تاريخا من العرفان.

أخيرا بدأت المكتبة الجديدة لجامعة القاهرة تمارس نشاطها بين أكثر من 250 ألف طالب و13 ألف أستاذ بجانب خدمات معرفية غير مسبوقة تجمع بين جدرانها وسائل اتصال سريعة مع جميع المكتبات الكبرى فى الجامعات المصرية، وفى مقدمتها مكتبة الإسكندرية.. وسائل حديثة على أحدث تقنيات العصر حيث توفر المكتبة 26 وحدة بحث إلكترونى.

إن المكتبة الجديدة التى أقيمت على مساحة 4000 متر داخل الحرم الجامعى بارتفاع 8 أدوار تمثل نقلة حضارية وفكرية وعلمية بكل المقاييس.. ان المكتبة الجديدة تضم الآن جزءا كبيرا من الكتب والتحف والوثائق، التى انتقلت إليها من المكتبة القديمة.. ولكن الحديث الآن يدور حول مستقبل هذه المكتبة القديمة، التى تم افتتاحها فى عام 1931 على مساحة 2357 مترًا، وهى الآن تواجه مصيرا مجهولا بين أطراف عديدة ولا أحد يعلم ما هى نهاية هذا الصراع..

هناك صراع يجرى الآن بين أكثر من جهة فى جامعة القاهرة.
هناك اتجاه لحصول كلية الآداب على جزء من هذا المبنى العتيق.
وهناك اتجاه آخر لإنشاء متحف للوثائق فى جزء آخر يحمل اسم الجامعة العريقة.
وما بين الاقتراحين تبقى فرصة لتحويل جزء من المكتبة إلى مكاتب لأكثر من 250 موظفا يعملون فى المكتبة

ولا أدرى على أى أساس سيتم تقسيم المكتبة بهذه الطريقة العشوائية.. إن طبيعة المبنى أنه أقيم ليكون مكتبة تجمع الكتب والوثائق ومن الصعب جدا تقسيمه إلى أجزاء وتحويل المكتبات إلى حجرات للموظفين أو إنشاء متحف للمقتنيات والوثائق والمكتبة فى وضعها الحالى.. إن معروضات الكتب تختلف عن معروضات المتاحف من حيث الأسلوب وطرق العرض.

ولهذا فإن الأمر يتطلب أولا دراسة هندسية تحافظ على صورة مبنى المكتبة وكيفية استخدامه على أسس سليمة.

وقبل ذلك كله فإن المبنى ليس جدرانا وأثاثات ولكن هذا المبنى يضم مجموعات من الكتب والوثائق المهمة والخطيرة.. إن الخوف الآن أن تتعرض المكتبة بكل ما فيها من مقتنيات للسرقة خاصة إذا لم تتوافر الحراسات الكافية ولنا فى متحف محمود خليل دروس كثيرة مستفادة فقد تم انتزاع أغلى لوحاته، وهى زهرة الخشخاش أمام حراسه ومديريه، وبعد ذلك كله قال المسئولون إنها أجهزة الإنذار التى لا تعمل..

بعد انتقال جزء من محتويات المكتبة المركزية لجامعة القاهرة إلى المكتبة الجديدة هناك أخطار كثيرة تهدد ما بقى فيها من كتب ووثائق فى غاية الأهمية.

هناك خوف شديد من عمليات التخزين، حيث وضعت إدارة الجامعة آلاف الوثائق فى حجرات مغلقة دون تهوية، وقد مضى عليها الآن أربع سنوات كاملة، ولا أحد يعرف ماذا حدث فيها إن الوثائق والمخطوطات يمكن أن تتعرض للتلف أمام نقص التهوية والتكدس والأتربة، ولو اقتحم فأر واحد هذا المكان فقل على الدنيا السلام.

هناك خوف شديد من سرقة محتويات المكتبة خاصة أن هناك خلافات بين إدارة الجامعة والعاملين فى المكتبة حول مستقبل المبنى، وهل يتم تقسيمه أم يبقى على حاله فى ظل رؤى جديدة تحافظ عليه تاريخا ومكانا وفى ظل خلافات الرأى والمواقف يمكن أن تحدث أشياء كثيرة تهدد هذا التراث.

لنا أن نتصور هذا الكم الهائل من الكتب والدوريات فى المكتبة المركزية، التى يجرى حولها الصراع الآن.. فى هذه المكتبة وبين جدرانها توجد الكتب والوثائق التالية:
- 184 ألف كتاب أجنبى

- 102 ألف كتاب عربى

- 4523 مخطوطا عربيا

- 816 مخطوطا ومطبوعا تركيا

- 510 دوريات علمية
-
ويوجد عدد هائل من الكتب العبرية والسريانية والأردية والهندية بالإضافة إلى:
- ألبومات نادرة عن تاريخ الجامعة وإنشائها ومؤسسيها.

- برديات شرقية مختلفة محفوظة بألواح زجاجية .

ويوجد فى المكتبة أيضًا:
وثائق الحملة الفرنسية على مصر.

- دوريات وصحف قديمة تراثية مثل البلاغ والمقتطف والرسالة والهلال المصرى والأهرام والمقطم.
وألبومات مصورة ومقالات عن الأحزاب مجمعة من مجلدت وصحف نادرة فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

فى المكتبة أيضًا مكتبات خاصة مهداة، ومنها كتب نادرة ومهمة مثل مكتبة الأمير إبراهيم باشا حلمى والمجموعة الكمالية ووصف مصر..

- مضابط مجلس الشيوخ المصرى فى القرنين التاسع عشر والعشرين.

- المسكوكات: وقد أهداها سمو الأمير أحمد فؤاد إلى مكتبة الجامعة بجانب 600 قطعة من النقود ترتبط بالعصر اليونانى والرومانى.

يوجد فى المكتبة أيضا آلاف النسخ من المطبوعات الجامعية القديمة والحديثة.

هذه المقتنيات النادرة تعيش الآن فى العراء داخل المكتبة المركزية التى تمت إحالتها إلى المعاش رغم أنها تحتوى على ثروة تاريخية وثقافية لا تقدر بثمن.. إن هذه الثروة يمكن أن تتعرض فى أى لحظة لعمليات نهب وسرقة، حيث لا توجد أجهزة إنذار ولا تصوير ولا رقابة، فإذا كانت أجهزة الإنذار فى متحف محمود خليل قد تعطلت فإن مكتبة جامعة القاهرة لا تعرف شيئا عن هذه الأدوات والمعدات الحديثة فى المراقبة والحراسة، ومن هنا يمكن أن تتعرض لمخاطر أكثر.

لنا أن نتصور هذا التراث وكيف يمكن أن نحافظ عليه.
من بين مجموعة المقتنيات التى تحتويها المكتبة حاليًا نحو 80 ألف عنوان باللغة العربية وأكثر من 190 ألف عنوان باللغات الأجنبية بالإضافة إلى نحو عشرة آلاف كتاب باللغات الشرقية من تركية وفارسية واوردية وحبشية، كما تقتنى المكتبة عددًا كبيرًا من المطبوعات الدورية.

من أهم مقتنيات المكتبة مجموعة المخطوطات العربية والفارسية والتركية والأوردية وغيرها من اللغات، والتى يبلغ عددها نحو عشرة آلاف مخطوط.

كما تحتوى المكتبة أيضًا على رصيد سياسى نادر للغاية يتمثل فى محاضر ومضابط مجلس الشيوخ المصرى وجلسات مجلس النواب وكذلك مضابط مجلس العموم البريطانى (1700 مضبطة)، وهى التى تتناول شئون المستعمرات البريطانية، هذا بالإضافة إلى وثائق الحملة الفرنسية وميزانية مصر من عام 1890 حتى عام 1950 وهو رصيد مهم يضم أكثر من 4000 وثيقة.

هذا بالإضافة لمجموعات تمثل المكتبات الخاصة لأفراد من الأسرة المالكة المصرية بدءا من عهد محمد على حتى الملك فاروق، وإلى جانب هذا الرصيد تجمع المكتبة التراثية الإنتاج الوطنى المصرى بمختلف أنواعه (كتب ــ حوليات ــ دوريات ــ رسومات ــ كتيبات ــ ملصقات ــ ألبومات صور فوتوغرافية ــ عملات)

ومن المجموعات الثمينة التى تقتنيها مكتبة الجامعة بالشراء مجموعة المستشرق زيبولد وعالم الآثار يونكر والدكتور ماكس مايرهوف ومجموعة الأمير إبراهيم حلمى ومجموعة الأمير كمال الدين حسين أهديت إلى الجامعة فى عام 1933 وهى تقع فى خمسة آلاف مجلد ومجموعة أحمد طلعت بك، وهى تحتوى على طائفة كبيرة من المخطوطات العربية والفارسية والتركية فضلا عن نخبة من المطبوعات باللغة العربية والفرنسية.

●●●
إن بقاء مكتبة جامعة القاهرة التراثية بهذه الصورة يهدد ما بها من كتب نادرة وكلنا يعلم أن هواة جمع وشراء هذه الثروات ينتشرون فى كل مكان فى العالم العربى. وفى أوروبا جهات كثيرة تسعى لشراء هذ التراث سواء كان فى صورة كتب أو وثائق.
لنا أن نتصور هذه الثروة التى تتناثر الآن فى مكتبة جامعة القاهرة، ومنها النسخة الأصلية من كتاب وصف مصر .

والأدوية القلبية لابن سينا.

- الاقتضاب، لأبى النصر سعيد ابن الخير.

- الأصول فى الطب، على بن رضوان.

- الأصول الهندسية، لأقليدس.

- إعراب القرآن، الزجاج.

- الإرشاد لصالح الأنفس، والأجساد، موفق الدين إسماعيل بن هبة.

- أخترى فى اللغة، أختر بن شمس الدين القرة حصارى.

- الإفصاح بشرح مقامات الحريرى.

- نموذج اللبيب فى خصائص الحبيب، للسيوطى

- أنوار العاشقين فى تاريخ الأنبياء والصحابة، أحمد يازجى بيجان.

- التبر السبوك فى نصيحة الملوك للغزالى

- تذكرة داود فى الصيدلة، داود الانطاكى

- الطب الملكى، للرازى

- صحف سيدنا موسى، ديانات

رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، فلسفة

- علم تدبير الأبدان، جالينوس

- عجائب المخلوقات للغزالى.

- عجائب المقدور فى اخبار تيمور، ابن عربشاه.

- عجائب الهند بره وبحره وجزايره، بزرك ابن شهريار هرمزى

- العدل الشاهد فى تحقيق المشاهد، الشيخ عثمان الشافعى.

- العواصم من القواصم فى تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، أبى بكر العربى.
ونهج البردة.

- عوارف المعارف، السهروردى، النسخة الكاملة

- الخطط التوفيقية لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة، على باشا مبارك..

- التعريبات الشافية لمريد الجغرافية، رفاعة الطهطاوى 1834

- الشهنامة للفردوسى ويحكى تاريخ الدولة الساسانية، الفارسية، حتى ظهور الإسلام، والنص الأصلى باللغة الفارسية ومصحوب بترجمة فرنسية عبارة عن 60 ألف بيت شعر.

- بجانب كتاب عن تاريخ الآثار المصرية..

- ألبوم صور مقتنيات الإمبراطورية اليابانية القديمة المعروفة (بشوسوأوين) 1909 طوكيو. ألبوم متحف بولاق يعرض لوحات لآثار تم العثور عليها فى حى بولاق ومترجم باللغة الفرنسية 1872.

- كتاب مصر باللغة الإسبانية ومهدى للملك فؤاد الأول طبع فى جنيف 1932 ويحكى عن تاريخ مصر وآثارها.

- كتاب مساجد القاهرة منذ فتح مصر بداية من جامع عمرو بن العاص من حيث تاريخ كل مسجد ورسمه المعمارى، وكذلك صوره الفوتوغرافية وموقعه بالقاهرة، مؤلفه، كريزول.

وتمتلك المكتبة العريقة رصيدا ثريا للغاية من أقدم المطبوعات الدورية الصادرة داخل مصر وخارجها منذ عام 1850 وحتى الآن ومن أهمها:
- جرنال الخديو الصادر سنة 1827.

- الوقائع المصرية سنة 1828.

- الجريدة العسكرية الصادرة سنة 1833.

- صحيفة «السلطنة» سنة 1857 «إسكندر شلهوب».

- صحيفة «وادى النيل» سنة 1866 «أبوالسعود».

- جريدة «الجوائب» سنة 1866.

- مجلة «نزهة الأفكار» سنة 1869 إبراهيم المويلحى.

- جريدة مصر الصادرة 1877 أديب إسحق.

- جريدة «التجارة سنة 1879 أديب إسحق» .

- «جريدة أبو نظارة زرقاء» الصادرة 1877 يعقوب صنوع.

- جريدة «نزهة الأفكار».

- صحيفة «البرهان سنة 1881» الشيخ «حمزة فتح الله» .

- صحيفة «الطائف» «النديم».

- صحيفة «المفيد».

- صحيفة «الفسطاط».

- صحيفة «المقتطف».

- صحيفة الأهرام صدر العدد الأول منها فى عام 1876.

- صحيفة «المقطم».

- صحيفة «المؤيد».

- صحيفة «لسان العرب».

- «اللواء».

- «الجريدة».

وفى المكتبة مجموعة ثمينة من العملات النقدية تعود ملكية أكثرها إلى مسيو داتارى Dattari أحد أثرياء الإسكندرية والذى كان قد أهداها إلى سمو الأمير أحمد فؤاد سنة 1911 وتشتمل على 600 قطعة من النقود مرتبطة بالعصر اليونانى والرومانى، وهى أكمل مجموعة من المسكوكات بعد مجموعة المتحف البريطانى، كما تملك المكتبة مجموعة ثمينة من طوابع البريد. وقد أهدى أكثرها إلى الجامعة فى عهود مختلفة، وتمتلك المكتبة مجموعة ثمينة من الأوسمة والأنواط، والتى تم إهداؤها للجامعة من كبار الشخصيات المصرية فى العهد الملكى.

●●●
هذه هى مقتنيات مكتبة جامعة القاهرة المركزية وهى لا تقدر بثمن على المستوى المادى والعلمى والتاريخى.. إنها تراث أمة ورصيد حضارة ولا ينبغى أن نراها مشاعا فى العراء..

لا أتصور بعد ذلك كله أن نترك هذه المكتبة دون أن تتخذ الجامعة قرارا حاسما بشأنها.. وفى تقديرى أن تقسيم مبنى المكتبة على ثلاث جهات قرار يحتاج للدراسة.. كيف تأخذ كلية الآداب جزءا من المكتبة.. وكيف يتحول جزء آخر إلى متحف للجامعة، بينما يبقى جزء ثالث لمكاتب الموظفين..

إن الحل فى تقديرى أن يبقى المبنى بحالته دون تقسيم أوكمتحف للوثائق والكتب النادرة، وأن يخصص جزء منه للأنشطة الثقافية، التى تقيمها الجامعة مثل الندوات واللقاءات الفكرية المهمة..

إن ذلك يتطلب دراسة هندسية للمبنى.. ويتطلب أيضا خطة لترميم مقتنيات المكتبة من الوثائق والكتب خاصة تلك التى تعرضت للتخزين سنوات طويلة.. وبجانب هذا ينبغى تحديث المبنى من حيث الحراسات وأجهزة الإنذار والصيانة.. والأهم من ذلك كله هو إعادة ترميم المبنى الذى مضى عليه الآن أكثر من ثمانين عامًا.

إن مبنى المكتبة التراثية بجامعة القاهرة يضم ثروة لا تقدر بثمن ومن واجب الجامعة أن تحافظ على هذه الثروة وليس من المنطقى أن نترك هذا التراث حائرًا بين الغرف المغلقة والهواء الفاسد دون حماية كافية.

أرجو ألا تلحق كنوز مكتبة جامعة القاهرة بنفس المصير الذى تواجهه الآن متاحفنا العريقة، حيث لا حراسة ولا أمانة ولا وعيًا بقيمة هذا التراث العظيم.

وليكن لنا فى متحف محمود خليل درسا نتعلم منه كيف نحافظ على تراث الأجيال المقبلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved