أموال وآمال 5 ــ الأرض: حاضرنا ومستقبلنا

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 5 سبتمبر 2014 - 12:21 م بتوقيت القاهرة

(1)

إذا أراد الناس وصف إنسان ما بضيق الأفق، أو قصر النظر، أو الغباء الاجتماعى، يعبرون عن ذلك فيقولون «فلان ينظر تحت قدمه»، أى انه يفتقد الرؤية العامة والإحاطة بما حوله، وهذا تعبير صحيح، فما بالك إذا رأيت إنسانا لا ينظر حوله ولا ينظر أيضا تحت قدمه ؟!! مع أن له عينين تبصران وأذنين تسمعان ؟!!.

لا تستبعد المسألة، فالحقيقة التى لا مراء فيها أن حكومات جميع دول المسلمين ـ بلا إستثناء ــ لا تنظر حولها ولا تحت قدمها، بل إنها تندفع فتتحول ما طاقة لها به، وتتصدى لما لا معرفة لها بمتطلباته، وربما لا إرادة لها فى التغيير والبناء، بل يبدو أن الاستقرار والاستمرار بالنسبة لها أمانى تلوكها الألسن. فها هى كل تلك الحكومات تقهر أجيالا بكاملها وتضيع أمة بأسرها وتفرض على الجميع عدم النظر تحت الأقدام أسوة بها.

(2)

إذا استكثرت ذلك القول: فماذا يعنى تقوقع الملايين سكنا وعملا وترفيها فى 10% مما أتاح الله لهم من الأرض، ويهجرون مساحة 90 % من الأرض دون أدنى استثمار، لا يسكنونها، ولا يزرعونها، ولا يستخرجون ما فى باطنها، ويعايشون الفقر ويكذبون على الله فيدعون أن فقر الأمة قضاء وقدر. لماذا يكذبون على الله وقد خلق أرزاقهم وأرزاق جميع الخلق وأرزاق من بعدهم، كل ذلك قبل خلق آدم، فلماذا يفترون على الله الكذب ويبررون جهلهم وعجزهم بأن ما هم فيه إرادة إلهية ؟! ـ حاشا لله ـ

(3)

لولم يخلق الله غير الأرض وما فيها من ثروات، لكان ذلك كافيا لإسعاد البشرية وإخراجها من أزمات الفقر والجهل والمرض، ويتيح للناس أنوار الثراء والعلم والصحة، لماذا لا تتوجه الحكومات نحو الأرض ــ أى أرض ــ تبحث فيها وتسألها عما تحتويه سواء فى ذرات التراب أو ما تحته؟! فمن جهل الإنسان ـ جهلا لا يغفر له ـ أن يتكبد مئات الآلاف من الجنيهات أو الدولارات لإنشاء سكن يليق به، مع أن الأرض تتيح له سكنا أكثر سعة وأكثر رفاهية وأشد أمنا بمبالغ لا تذكر إذا سأل الأرض عن خزائنها ثم استنفر جهوده واستدعى عزيمته ليمارس إنسانيته وسيادته على الأرض.

(4)

وأكثر بحوث البناء ــ المحترمة وغير المغرضة ــ أثبتت أن إنشاء سكن عائلى يتميز بالسعة والراحة والصحة والخصوصية والأمن فضلا عن متطلبات المدنية والحضارة والرفاهية كل ذلك لا يكلف سوى قيمة عائد عمل سنة واحدة، أى أن ساعات العمل خلال سنة واحدة لفرد واحد تكفى لإنشاء سكن من خزائن الأرض يؤوى إليه الإنسان مع عائلته عشرات السنين.

فلماذا ضيقت الحكومات على نفسها وعلى شعوبها ؟ ثم أفقرت الدولة والمواطنين بسبب عدم الالتفات إلى الأرض ؟ وعدم تدريب المواطنين وتعليمهم ضرورة البحث والتجريب.

(5)

إذا قلنا إن الأرض ـ كل الأرض ـ فى بلد مثل مصر إما أن تكون تربة زراعية فى الأودية أو رمال فى الصحراء أو حجارة فى الجبال الخ فهذه هى أبرز الأنواع الظاهرة فى قشرة الأرض فهل حاولت حكوماتنا الرشيدة استخدام تلك الموارد وتطويعها؟ بل إنها ـ بقصد أو بغير قصد ـ تغلق منافذ التفكير على نفسها وعلى مواطنيها فأصابت الأجيال بالإحباط ثم يحول الإحباط إلى غضب ونقمة، والخوف أشد الخوف من أن يتحول الغضب إلى رفض للواقع ورغبة فى تدميره أو ترك الواقع والرحيل عنه.

وفى الوقت الذى يذكر القرآن فيه إسم الأرض أكثر من 450 مرة وفى كل مرة يضيف صفة للأرض أو وظيفة لها ليخطر الإنسان أن هذه الأرض فى جميع حالاتها ما هى إلا خزائن يمكن استخدامها مباشرة فى مصالحه أو غير مباشرة فى مبادلة ثرواتها مع الآخرين.

وقد أراد القرآن أن يضع النقط فوق الحروف فقال عن الأرض (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) أى أن المبدأ منها والمنتهى إليها. فكيف لا ينتفع الإنسان انتفاعا كبيرا بالمادة التى خلق منها أولا والتى سيذهب إليها آخرا، إنها الأرض قد خلقها الخالق جل جلاله، وجعلها سكنا فلماذا لا نحسن سكنى الأرض واستثمارها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved