شغل «سيما»

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 5 سبتمبر 2017 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

كتب السينارست المتميز عبدالرحيم كمال على صفحته بـ «فيس بوك» أن أهالى محافظة سوهاج التى ينتمى لها لن يكون باستطاعتهم رؤية فيلمه الجديد «الكنز» خلال أيام العيد، وهذا أمر يحزنه جدا لأن المحافظة ليس فيها دار واحدة للعرض السينمائى، رغم أنها كانت تملك فى الماضى أربعة دور عرض تعطلت بقدرة قادر.

ما كتبه الصديق العزيزمثير للأسى وكاشف عن مستوى الانهيار فى البنية التحتية فيما يخص القطاع الثقافى، لكنه ذكرنى بإعلانات تلفزيونية ظلت مستمرة حتى منتصف التسعينيات كانت تقدم عقب نشرة أخبار الساعة السادسة مساء تحت عنوان «أين تذهب هذا المساء».

وبفضلها عرفنا أسماء أغلب دور السينما فى المحافظات وعلمنا أن سينما النصرمكانها فى بورسعيد وسينما الصداقة فى أسوان، وإسماعيل ياسين فى السويس وفاتن حمامة فى الروضة وسينما «ماجدة» فى حلوان. 

ومعلوماتى أن قصور الثقافة كانت فى الماضى تقوم بعرض الأفلام السينمائية فى قاعاتها من خلال برتوكول تعاون مع غرفة صناعة السينما كان يضرب لها عصفورين بحجر واحد فهو يضمن من ناحية جذب جمهورجديد، إلى جانب الحصول على نسبة من الايرادات مقابل عرض الأفلام لكن هذا البروتوكول توقف بعد تحطم واجهة سينما قصر ثقافة بنها نتيجة لتدافع الجمهور لرؤية فيلم «اللى بالى بالك» .

وبدلا من أن تلزم الوزارة المنتج أو الموزع بتحمل تكلفة إصلاح واجهة قصر الثقافة قررت العمل بالأحوط وحرمان الناس من السينما وحرمان مواردها من الفلوس ووجع الدماغ.

ومن أبرز مظاهر وجع الدماغ فى مصر أن تحاول البحث عن معلومة حتى لوكانت عن عدد دور العرض السينمائى فأقصى ما يمكن أن تصل إليه إحصائية أجراها «الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء» فى النشرة السنوية للإحصاءات الثقافية عام 2013، وفيها انخفض عدد القاعات فى دور عرض الأفلام بنسبة 4.6٪، لنشهد 269 شاشة عرض عام 2013، مقابل 282 شاشة عام 2012،

ووفقا لتقرير آخر انخفض عدد قاعات دور العرض السينمائى إلى 82 دار عرض فقط، وأصبحت هناك محافظات كاملة بدون دار عرض سينمائى واحد، فضلا عن وجود سوء توزيع ليس له مثيل فى خريطة دور العرض ويكفى أن نعرف أن الصعيد بالكامل فيه 3 دور عرض فقط. 

ولك أن تتخيل واقع مدينة كاملة بدون دار عرض سينمائى يعتمد سكانها على ما يتم قرصنته عبر الانترنت وأغلب الفضائيات. لن أتحدث هنا عن فرص نمو الإرهاب والتطرف فهى أمور من نوافل القول لذلك اكتفى بالاشارة إلى أنه فى ظل غياب آليات حقيقية للحماية القانونية للمواد السمعية والبصرية يمكن توقع اختفاء صناعة السينما ذاتها فى القريب العاجل لأن الدعم المقدم لا يمكنها من الاستمرار، فعدد مقاعد جميع دور العرض فى مصر كما قرأت على لسان المنتج جابى خورى يبلغ حاليا 56274 مقعدا وهو عدد ضئيل للغاية، ولا يمكن أن يؤدى إلى نشاط سينمائى حقيقى.

واللافت أنه فى مقابل هذا التراجع المخيف ثمة نمو متسارع فى عدد المهرجانات السينمائية التى ترعاها وزارة الثقافة وهو أمر على أهميته إلا أنه لم يحدث تأثيرا نوعيا على مستوى الصناعة نفسها طوال خمس سنوات على الأقل، الأمر الذى يلزم بمراجعة جادة لسياسات تمويل ورعاية المهرجانات التى تحولت كما نقرأ إلى «فضاءات للنزهة وللسياحة على نفقة الدولة» بدلا من أن تكون تعبيرا عن حالة تنافسية مثمرة.

ولا أعرف إذا كان من الأولى توجيه الدعم الحكومى لإنتاج الأفلام أم لا؟ وذلك لأن تجربة سابقة خاضتها الوزارة لم تكن ناجحة على أى مستوى وبقيت كل مشاريعها متعثرة! 

أم أنه من الأفضل مثلا العمل على تأهيل قاعات عرض صغيرة فى قصور الثقافة أقرب لنموذج سينما «زاوية» بوسط البلد التى تحملت وحدها مهمة الدفاع عن «الجودة» كمعيار لفرز وتقييم الأفلام وحماية التنوع وهى معايير أساسية يصعب الاستغناء عنها لو كانت النوايا جادة فى حماية السينما كصناعة إبداعية تلعب الدور الأكبر فى تشكيل وعى الناس.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved