الروح التى تسكن مصر

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

••وجه مستشفى سرطان الأطفال نداء مساء الجمعة للتبرع بالدم، وسارع زملاء إعلاميون بتكرار النداء العاجل. لم ينتظر المستشفى طويلا، فخلال وقت قصير توافد المصريون للتبرع بدمهم، دون توجيه أو مناشدات رسمية..

 

مثل هذا السلوك التلقائى يعكس حقيقة المصرى. وإذا كنت تعانى من الاكتئاب لما يجرى من حولك، فيكفى أن تفكر فى حرص عشرات أو مئات من الفتيات والشباب على تلبية النداء الإنسانى العاجل الذى أطلقه المستشفى. إنها مصر الحقيقية والكبيرة والعريضة. مصر الشعبية والشعب. مصر الناس الذين تسكنهم روح الحضارة الإنسانية. فكر فى هذا السلوك كى تخرج من شرنقة الاكتئاب التى تخنقك، بسبب الفوضى، والإنفلات الأمنى،  وسوء الإدارة، والشغب والكراهية الطافية،  والاحتقان الاجتماعى والسياسى.

 

••مصر هبة النيل كما قال أبوالتاريخ هيردوت. والمصريون هبة حضارة النهر. تراهم ثابتين مقدمين ومتقدمين فى أوقات الشدة. يلبون النداء ويقفون فى طوابير الحرية بالساعات فى نظام والتزام للمشاركة والتعبير عن إرادتهم السياسية، على الرغم من تكرار إطلاق تحذيرات مسربة متعمدة بحمامات الدم، فى كل انتخابات منذ 25 يناير، فى محاولة خسيسة لإبعاد الناس عن الإدلاء بأصواتهم.. والحمدلله أن الناس يتوافدون على طوابير الصناديق بفخر وسعادة ورأس مرفوع ولا يخشون هذا التهديد وهذا التلويح المتعمد بطوفان أنهار العنف..

 

شكرا لكل من سارع وتبرع بدمه من أجل الأطفال المرضى فى مستشفى السرطان، ومن أجل إحياء المعدن المصرى الأصيل الذى لا يصدأ بالزمن، ولا بالفوضى والعنف وكنافة سوء الإدارة.

 

••الروح الوثابة التى لا تعرف اليأس تسكن مصر فعلا. يمكن أن يعبر عنها مواطن بسيط أو عامل أو موظف رسمى مؤمن برسالته وبعمله. وأذكر هنا سيدة، لا أعرفها ولا أعرف اسمها أو طبيعة وظيفتها فى المعادى الجديدة. قد تكون مهندسة فى حى البساتين. المهم أن هذه السيدة لفتت الأنظار عندما كانت تقف فى شارع الجزائر، وتشرف بنفسها على عمليات النظافة وتهذيب الأشجار. كانت تفعل ذلك وسط أكوام القبح التى تحيط بها. تمارس عملها بلا يأس. وعندما انتهت من تنظيف وتجميل هذا الشارع انتقلت إلى شارع النصر،  أحد شوارع المعادى الجديدة الرئيسية الذى يشهد هزائم يومية متكررة من عدم احترام قواعد المرور، ونشر الفوضى. ونجحت مهندسة الجمال فى إضافة لمسة جميلة فى نهاية هذا الشارع بنجيل وأشجار وأزهار جديدة، أرسلت إلينا إشارات بأن الخير والعطاء والإيمان بالعمل وبرسالته مازال يسكن المصريين على الرغم من السطح الذى تطفو فوقه الفوضى والقبح العام والقبح الأخلاقى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved