تأملات فى المادة 76 من الدستور الجديد


كريم الشاذلى

آخر تحديث: الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تناولت المادة ٧٦ من الدستور الجديد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذى معناه أن تحديد الأفعال التى تعد جرائم وبيان أركانها وتحديد العقوبات المقررة لها من اختصاص المشرع وليس القاضى أو الحكومة. وهدف هذا المبدأ هو ضمان حريات المواطنين وهو من أكثر المبادئ القانونية شيوعا فى العالم.

 

•••

 

نصت المادة ٧٦ من الدستور الجديد على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى». وبإضافتها عبارة «نص دستورى»، تختلف المادة ٧٦ عن المادتين ٦٦ من دستور ١٩٧١ و٦ من دستور ١٩٢٣ اللتين نصتا على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون». وحقيقة الأمر هو أن نص المادة ٧٦ يختلف عن العرف المستقر فى كل دول العالم.

 

فالأصل هو أن وظيفة الدستور هى إقرار الحقوق والحريات وتنظيم السلطات العامة. أما تحديد الجرائم والعقوبات، فهذه مهمة القانون الجنائى. وذهب البعض إلى أن إضافة «نص دستورى» فى المادة ٧٦ راجع إلى أن الدستور الجديد احتوى على نصوص جزائية. والحقيقة أن الدستور الجديد احتوى على مادة جزائية واحدة فقط هى المادة ٢٣٢ التى «تمنع قيادات الحزب الوطنى» من «الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات». أما النصوص التى تنص على أن «التدخل فى شئون العدالة أو القضايا جريمة» (م. ١٦٨) وأن «كل اعتداء على أى من الحقوق والحريات.. جريمة» فهى ليست نصوصا جزائية لأن هذه النصوص لا تحدد أركان الجريمة ولا تبين العقوبة المفروضة. وقضاء محكمة النقض مستقر على أنه «أنه لا عقوبة إلا بنص يعرف الفعل المعاقب عليه ويبيّن العقوبة الموضوعة له».

 

عموما، المادة ٢٣٢ مادة من الدستور ولا يحتاج إعمالها «إذنا» من المادة ٧٦، بالإضافة إلى أن تعبير «نص قانونى» الذى استخدمته المادة ٧٦ يسع النصوص الدستورية فالمواد الدستورية هى ــ بلا أدنى شك ــ نصوص قانونية. إذن، لا يوجد تبرير منطقى أو قانونى لإدراج تعبير «نص دستورى» فى نص المادة ٧٦.

 

•••

 

بينما اهتم ممثلو حزب الحرية والعدالة ــ بصفة أساسية ــ بالمواد الخاصة برئيس الجمهورية ومجلسى النواب والشورى والمحكمة الدستورية العليا، اهتم ممثلو حزب النور بما يشغلهم ــ أى بالمواد المتعلقة بالهوية ومواد الحريات ــ، أخبرنا الطبيب ياسر برهامى ــ عضو الجمعية التأسيسية والرئيس الفعلى لحزب النور ــ أنه وراء ابتداع تعبير «نص دستورى» وأن الهدف منه السماح بتجريم أفعال لا يعاقب عليها القانون الوضعى. فتعبير «نص دستورى» ــ طبقا للأستاذ برهامى ــ مقصود به الإحالة إلى المادتين ٢ و٢١٩ الخاصتين بالشريعة التى تجرم أفعالا يعتبرها القانون المصرى مباحة. 

 

وتفسير الأستاذ برهامى مردود عليه. فالمادتان ٢ و٢١٩ لا تتضمنان أى نص جنائى (لا أركان جريمة حددت ولا عقوبة وضعت) بالإضافة إلى أن هاتين المادتين تخاطبان المشرع فقط (وليس القاضى) فالشريعة مصدر «للتشريع» فقط (وليست مصدرا للأحكام القضائية) طبقا للدستور الذى وافق عليه الأستاذ برهامى. وأحكام المحاكم المختلفة مستقرة على أنها غير مخاطبة بالمادة الثانية. فالقاضى الذى يوقع عقوبة لجريمة غير معاقب عليها فى القانون مصير حكمه الإلغاء (كما حدث من قبل).

 

•••

 

ومع ذلك، فقد يتبنى بعض القضاة تفسير الدكتور برهامى تأسيسا على أنها نية المشرع الدستورى أو رغبة فى شهرة إعلامية (وهى أمور غير مستبعدة خاصة بعد «الانفلات» الشديد الذى تشهده الهيئات القضائية منذ نوفمبر ٢٠١٢). المهم هو أن هذه الأحكام المعيبة من منظور قانونى ستلغى أغلب الظن وقد تتم مساءلة مصدرى هذه الأحكام. ولا أستبعد ساعتها أن يتم استغلال هذا الأمر من بعض القوى السياسية التى ستقيم الدنيا ولا تقعدها لأن حكما برجم الزانى تم إلغاؤه من محكمة الاستئناف أو من محكمة النقض. وقد يقول البعض إن المحكمة التى ألغت الحكم المعيب كارهة لشرع الله وللإسلام وأنه يجب تطهير القضاء ممن ألغوا الحكم الذى انتصر للشريعة. وقد يتم حصار تلك المحاكم.

 

باختصار، قد تسبب المادة ٧٦ فوضى قضائية وسياسية وقد تستخدم هذه المادة فى تحميل القضاة مسئولية عدم تطبيق الشريعة مع أنها ــ بنص الدستور ــ مسئولية المشرع.

 

وهناك عيب خطير آخر فى المادة ٧٦ هو أن تعبير «نص قانونى» أوسع من لفظ تعبير «بناء على قانون» الذى ورد بجميع دساتير مصر السابقة. فأى قرار إدارى يمكن اعتباره نصا قانونيا وبالتالى فإنه يمكن لأى قرار إدارى أن يضيف جرائم ويقرر عقوبات وحده وذلك دون أن يستند إلى قانون.

 

•••

 

 لا معنى لتعبير «نص دستورى» طبقا للمنطق القانونى السليم ولو طبقت المادة ٧٦ بتفسير الأستاذ برهامى فقد يسبب ذلك فوضى. ولا أظن أن الأستاذ برهامى كان ملما بهذا عندما اقترح إضافة «نص دستورى». ولذلك أتساءل، هل تفضّل أحد أعضاء الجمعية القانونيين بتوضيح هذه التفاصيل القانونية للأستاذ برهامى؟ أم أنه أُريد ألا يُكشف عن هذا الأمر حتى يبقى الأستاذ برهامى فى ضلاله القانونى وليشعر أنه صنع إنجازا تاريخيا وبالتالى يحشد لتمرير الدستور مع أنه ليس للسلفيين فيه لا ناقة ولا جمل؟ أسأل هذا السؤال وليس لدى إجابة عنه فمضابط اللجان الفرعية ــ حسب علمى ــ لم تُنشر حتى الآن كما لو كانت وثائق عسكرية لا ينبغى أن يطّلع عليه الشعب.

 

هل شُرح للدكتور برهامى فلسفة مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات التى هى حماية الحريات وتقييد يد القاضى (وليس إطلاق يده كما يريد هو)؟ هل شُرح للدكتور برهامى أن تطبيق الشريعة أمر فى غاية البساطة فمجلس الشورى ــ الذى يسيطر عليه التيار «الإسلامى» ــ يمكنه إصدار ما يشاء من قوانين خلال ساعات؟ هل يريد الأستاذ برهامى والإخوان تحميل مسئولية عدم تطبيق الشريعة للقضاء بدلا من أن يتحملها الإخوان الذى يَعِدون دائما بتطبيق الشريعة قبل الانتخابات ثم لا يطبقونها عندما ينجحون فى هذه الانتخابات؟

 

إن تطبيق الشريعة هى مسئولية المشرع طبقا للدستور. فإذا كان الإخوان المسيطرون على السلطة التشريعية منذ فبراير ٢٠١٢ غير راغبين فى تحمل مسؤولية تطبيق الشريعة أو غير قادرين على تطبيقها فليقولوا ذلك صراحة وليكفوا عن الوعد بتطبيق الشريعة.

 

•••

 

إن الصياغة المعيبة للمادة ٧٦ ــ بالرغم من أهمية هذه المادة وسهولة صياغتها والوقت الطويل الذى تم فيه إعداد هذا الدستور ــ تحمل دلالات غير مطمئنة على أسلوب إدارة النخبة الجديدة (الإخوان) للدولة. ومازلنا ننتظر توضيحا من أعضاء الجمعية التأسيسية تشرح ملابسات صياغة المادة ٧٦ التى ليس لها مثيل فى أى دستور فى العالم. فهل من مجيب؟

 

 

 

باحث دكتوراه بجامعة السوربون

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved