برلمان ذو مجلسين فى العراق وسوريا

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 6 يوليه 2016 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

نشرت مبادرة الإصلاح العربى، دراسة للكاتب «عصام الخفاجى»، المتخصص فى العلوم السياسية والاقتصادية، تحاول استخلاص بعض الدروس من الخلل الذى صاحب تجربة إقامة نظام برلمانى ديمقراطى فى العراق. وأحد أسبابه الرئيسة اختزال العملية الديمقراطية فى انتخابات توصل ممثلى الأغلبية إلى السلطة التشريعية وذلك لا يتناسب مع ظروف دول العراق وسوريا. وتطرح الدراسة هنا ضرورة استناد السلطة التشريعية إلى نظام المجلسين. وتقترح شكلا ملموسا لتركيب مجلس للشيوخ، يتوافق مع ظروف العراق وسوريا.

يبدأ «الخفاجى» بالحديث عن أن استمرار العنف والفوضى فى العراق، قد أثبت أن انتخاب مجلس النواب حتى لو لم تصاحبه خروقات ليس ضمانة أو شرط كاف لقيام نظام سياسى ديمقراطى؛ بل لابد من توافر أعمدة عدة يرتكز عليها لتؤمن استقراره. فإذا كان مجلس النواب يحقق الشرط الأول للديمقراطية، وهو حكم الأغلبية عبر ممثليهم المنتخبين بحرية؛ فإن الشرط الثانى الذى لا يقل أهمية هو وجود مؤسسة وآليات تمنع استبداد الأغلبية، وتضمن لمكونات الأمة جميع حقها فى التشريع والحكم وإدارة شئون الدولة بحيث لا تعد تلك الحقوق منه من حاكم، بل واجبا على أى حاكم التقيد به.

لابد هنا من ضرورة الإقرار بوجود استقطاب حاد بين أبناء الطوائف والقوميات، وهو ما أدى إلى اتخاذ النضالات الهادفة إلى إسقاط نظامى البعث أبعادا مشوهة أنتجها واقع مشوه. باختصار، لابد أن تنطلق مشاريع إقامة نظم ديمقراطية من أخذ الثقافة السياسية المنعدمة فى أوساط مواطنى البلدان العربية بعين الاعتبار. إذ قد لا يختلف كثيرون على أن العالم العربى والمنطقة لم يشهدا نُظما أكثر وحشية فى العصر الحديث من النظامين البعثيين فى العراق (1968ــ 2003) وفى سوريا (1963ــ الآن). لكن وحشيتهما لم تقتصر على العدد الهائل ممن فقدوا أرواحهم أو الذين تعرضوا للتعذيب فى السجون أو المنفيين، بل فى كونهما شوها الوعى السياسى لجيلين، من خلال غسيل دماغ مارسه نظام الحزب الواحد، ونشر الرعب عبر تحكم أجهزة المخابرات وتغلغلها فى جميع مفاصل المجتمع. ولابد من الاعتراف بأن هذه الوحشية، فضلا عن البشاعات التى صاحبت الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، قادت إلى اعتياد العراقيين والسوريين على ثقافة تتفنن فى التعصب والقسوة فى التعامل مع من لا ينتمى إلى هوياتهم تحت الوطنية، وفى إظهارها علنا على الرأى العام.

***

يقترح الكاتب تكوين مجلس الشيوخ من مجموعتين من الأعضاء، المجموعة الأولى يُطلق عليها «المجموعة النوعية، وتشكل نسبة عشرين بالمائة من أعضاء مجلس الشيوخ على الأقل من ممثلى المهن والفعاليات. يتم التصويت عليهم من أعضاء هيئاتهم، يخير الأفراد المنتمون إلى هذه الفئات بين التصويت ضمن قوائم المحافظات أو ضمن فئاتهم النوعية، ولا يحق لهم التصويت مرتين. تقدم الهيئات التى يتم التصويت عبرها الأسماء الخمسة التى نالت أعلى عدد من الأصوات إلى رئيس الجمهورية الذى يختار واحدا منها. هذا العدد من الممثلين يعكس وجودا ضروريا للتعبير عن مطالب مجاميع ذات تأثير نوعى فى المجتمع ورؤاها، وطريقة انتخابها قد تمثل خطوة نحو كسر أطر التصويت على أسس عرقية أو طائفية.

أما المجموعة الثانية التى ستشكل بين 75 و80% من الأعضاء هى من يمثل المحافظات وهنا يكمن تعقيد الأوضاع الاجتماعية فى العراق وسوريا. لو استندنا إلى التقديرات المتداولة فإن العراقيين ينقسمون إلى عرب شيعة نسبتهم تتراوح بين55 و60% من السكان، وعرب سنة نسبتهم تتراوح بين 20و 25% من السكان، وأكراد يشكلون 15 إلى 20% من السكان، فيما ينتمى بين 3 و5% من العراقيين إلى الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئية والقومية التركمانية. وباستثناء عدد محدود من الناخبين الذين صوتوا لقوائم مدنية متجاوزة للتكوينات الفرعية، فإن الناخبين أوصلوا نسبا متقاربة من النسب أعلاه إلى مجلس النواب. وقد ولد هذا الوضع أزمات مستعصية فى عمل الدولة كادت تشل قدرتها على أداء وظائفها؛ لأن الشيعة، وإن كانوا يمثلون التكوين الفرعى الأكبر، فإن التكوينات الأخرى ليست كما عدديا مهملا.

ستواجه سوريا مشكلة أكثر تعقيدا بكثير حين يمارس السوريون حقهم فى انتخابات ديمقراطية حقا بعد سقوط البعث. فالعرب السنة يمثلون أغلبية تقارب ثلثى السكان، ولا تقابلهم كتل قومية أو مذهبية أو دينية كبيرة يمكن أن تحد من سيطرتهم على السلطة التشريعية أو التنفيذية كما هو حال العراق. ومع أن الأكراد سنة أيضا إلا أن شعورهم بهويتهم القومية هو الطاغى ويشكلون نحو عشرة بالمائة من السكان.

***

من الضرورى إعادة رسم الحدود الإدارية لبعض المحافظات لاسيما فى العراق لعكس وقائع اجتماعية قائمة على الأرض. فحتى الآن لم يحذو العراق حذو مصر وسوريا فى تقسيم العاصمة بغداد التى يزيد عدد سكانها اليوم عن ثمانية ملايين إلى محافظتين، هكذا فإن المنطقة ذات الأغلبية الشيعية الساحقة المعروفة باسم «مدينة الصدر» وما جاورها لاتزال جزءا من العاصمة مع أن تركيبتها الاجتماعية تختلف كليا عن تركيبة بغداد المختلطة، كما أن محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية الساحقة تتكون من بيئتين اجتماعيتين مختلفتين كليا مما يستدعى فصلها إلى محافظتين.

كل هذا سيساعد على تعديل الثقل التمثيلى للطوائف غير الغالبة عدديا، لكنه لن يؤمن للعرب السنة فى العراق أو لغير العرب السنة فى سوريا إحساسا بالقدرة على التأثير على صنع القرار السياسى فى كل من البلدين. مما يعنى أن بذور الانفجار أو التمرد ستظل قائمة، وتجربة العراق الدامية التى مضى عليها ثلاث عشرة سنة تبين أن اختزال النظام الديمقراطى إلى عملية انتخابية وخطابات عن الأخوة بين الجميع هى الطريق الأسرع لفقدان الناس ثقتها بالديمقراطية ولمعاودة الحنين إلى نظام استبدادى قاتلوا من أجل القضاء عليه.

يختتم «الخفاجى» بأن ذلك المشروع المقترح فى تلك الدراسة ينطلق من واقع مؤلم لابد من الاعتراف بوجوده إذا أردنا المضى ببناء دولة مدنية ديمقراطية، لكن تشكيل مجلس شيوخ بالطريقة المعروضة فيما سبق سيشكل خطوة كبيرة نحو تجاوز هذا الواقع. وعلى الأجيال الشابة العمل على التعاطى معه لكى يتم تغييره. وككل منجز من هذا النوع سيصطدم العمل من أجله بمصالح راسخة تحاول عرقلته بشتى السبل، لكن حراك القوى المدنية العراقية المستمر منذ عشرة أشهر يبين أن تفاؤل الإرادة يمكن أن يستفيد من تشاؤم العقل وينتصر عليه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved