الإسلام كما أدين به
 - 34 - إنفاق الأموال

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 6 أكتوبر 2016 - 9:36 م بتوقيت القاهرة

يعانى المعنى الصحيح للفظ «الإنفاق» ومشتقاته لبسا قائما فى الأذهان البعض بخصوص «الإنفاق فى سبيل الله».. فبعض الناس من ذوى الثقافة اللغوية والدينية المحدودة يتصور أن الإنفاق فى سبيل الله لا يعنى سوى الزكاة والصدقة والتبرعات... إلخ، وهذا فهم قاصر يجب تصحيحه. لفظ الإنفاق بصفة عامة يعنى «الإهلاك»، فإنفاق الأموال يعنى إهلاكها وتحويلها إلى منافع أو خدمات. ومصطلح «فى سبيل الله» فى شريعتنا ليس قاصرا على التبرعات والزكوات... إلخ، بل يعنى ما هو أوسع من ذلك بكثير.. فـ«فى سبيل الله» تعنى أن تكون أنواع الإنفاق والصرف غير متعارضة مع الشريعة، فالذى يبنى بيتا لسكنه الخاص أو لتأجيره لمن لا يملك سكنا، ومن اشترى ملابس لاستعماله أو لأهل بيته، ومن اشترى طعاما لنفسه أو لمن يعولهم وكذلك من تحمل تكلفة رحلة ترفيهية بريئة من المحرمات.. كل تلك الأوجه فى سبيل الله، فالإنفاق فى سبيل الله يعنى إنفاق الأموال الحلال فى أوجه الاستثمار التى تقرها الشريعة مع مراعاة الأولويات.

ــ1ــ

فالإنفاق فى سبيل الله هو الإنفاق العام والخاص فى كل أوجه الإعمار والإصلاح اللازمة لأصحاب المال ثم لأهل المجتمع ثم لسائر الأمة. ولذلك يجب على أصحاب الأموال عند توظيف المال واستثماره مراعاة نوعية مجال الاستثمار ثم مراعاة أولوية الضرورات والحاجات... ومعنى ذلك أن الناس جميعا يحتاجون إلى تدبير وتوفير خمس ضرورات ذات نوعية جيدة وكمية كافية وأسعار متاحة غير مبالغ فى التربح منها. وهذه الضرورات الخمس هى: (الطعام/ الكساء/ الماء/ السكن/ العلاج والدواء). هذه المجالات الخمسة ضرورية ومهمة للجميع، ولا تستقيم حياة الناس دون توافرها بكميات كافية ونوعيات جيدة وأسعار ملائمة وإتاحتها فى الزمان والمكان المناسبين للمحتاج حيث إنها ضرورات لا غناء للناس عنها بصفة عامة نظرا لاستمرار وتكرار الاحتياج إليها دوريا على مستوى اليوم أو الشهر أو الموسم. فكيف بحاجة الفئات ذوى الظروف الخاصة؟ لذلك يجب ترشيد الاستثمار والإنتاج وترتيب أولويات الإنفاق.

ــ2ــ

ومن هنا فإن للدولة ــ أى دولة ــ وظيفة مهمة هى ضبط مجال الاستثمار (أنواع/ ضروريات/ كميات/ أولويات) بما يضمن أمن الناس واستقرارهم.. وللدولة فى سبيل إنجاز هذه الوظيفة الكبرى ــ وظيفة الأمن النفسى للمواطن ــ أو وظيفة «استقرار الدولة والمواطنين»، أن تستخدم جميع الأدوات المتاحة شرعا وعرفا وقانونا سواء من تقديم الخدمات والبيانات، وإتاحة فرص الاستثمار فى هذه الضرورات الخمس، وحراسة استمرار هذه الاستثمارات بالمشجعات من ناحية وبالقيود من ناحية حتى تتوافر الضرورات الأساسية لجميع الناس.

ــ3ــ

فمثلا لابد من تقرير حوافز متطورة لكل المستثمرين فى هذه المجالات، مثل تجهيز البنية النحتية والمرافق وتيسير إجراءات التملك والاستعمال وتقديم الخدمات اللوجيستية التى تضمن إقبال المستثمر على بعض السلع من هذه الضرورات.. فإذا أضفنا إعفاء ضريبيا يضمن إتاحة تلك السلع بأسعار مناسبة للناس فتلك هى الخطوات الأولى فى الوظيفة الاقتصادية فى بناء الوطن. وقد فكرت مرة أن تضع الدول ــ التى مثل دولتنا ــ شرطا عاملا للاستثمار يسرى على كل المستثمرين ينص على ضرورة التزام جميع المستثمرين باستثمار 30ــ40 % من رءوس أموالهم فى مجال الضرورات الخمس التى أشرنا إليها. وذلك طبقا لخطة تضعها الدولة تبين فيها الزمان/ المكلن/ الصنف/ الكمية المطلوب مشاركة المستثمرين بها فإذا التزم المستثمر بهذا الشرط التزاما جادا استحق أن يختار المال الذى يريده فى استثمار الـ 60 % الباقية من رأس ماله.

ــ4ــ

كذلك ففى مجال التعليم والتدريب يجب مراعاة ارتباط التنوع التعليمى بالنسبة اللائقة بالعمل فى مجالات هذه الضرورات التى لا يستغنى عنها جميع الناس. بل ويلزم التأكيد على أن العمل فى هذه المجالات عمل مميز ويستحق مميزات مشجعة ماديا ومعنويا.. وإلا فما العائد حينما ترى ملايين من الشباب يملأون الشوارع يحمل كل منهم بعضا من البضاعة (طعام/ شراب/ كساء) معتبرين أنفسهم تجارا؟! لابد من إتقان الحرف بصفة عامة وحرف الضرورات بصفة خاصة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved