كتاب ولوحة!

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 6 أكتوبر 2017 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقالا للكاتبة «عزيزة المانع» جاء فيه؛ لو قيل لى: ما الفرق بين الكتاب واللوحة الفنية؟ لكان ردى: الكتاب يخاطب العقل واللوحة تخاطب الحواس. اللوحة تمنحنا شعورا بالمتعة واللذة الجمالية فنرتاح وتسترخى أعصابنا، والكتاب يحفزنا على التفكير أو يمدنا بالمعلومات، باستثناء بعض الحالات التى يمس الكتاب فيها الجانب الانفعالى فينا، كما فى حالة الشعر أو بعض النثر الأدبى الجميل.

اللوحة لا تفرض على المتلقى فكرا معينا، ولا أيديولوجية بذاتها، ولا ذوقا خاصا، هى تتيح لمتأملها حرية البحث فيها عما يشاء من الأفكار والإيحاءات، أما الكتاب فلا يتيح مثل هذه الحرية لقارئه، الكتاب يحدد ما لديه من أفكار وتوجهات ومعانٍ ويسعى إلى إملائها على المتلقى، الذى قد يتوافق معها أو لا يتوافق.

اللوحة يخلدها الزمن، وسر خلودها يكمن فى كونها لا يؤثر عليها القدم، فالمعانى فيها تتجدد بحسب الناظر إليها، لا يهم من أى عصر كان، ولا فى أى زمن جاء. أما الكتاب فإنه ليس كذلك، الكتاب تتغير معانيه بتغير الزمن، وتبلى معلوماته بما يطمرها من علوم جديدة ومعرفة متطورة، كثير من الكتب طمس الزمن قيمتها وصارت نسيا منسيا.

كذلك ارتبطت اللوحة بصورة ذهنية للفنان تبعث على الراحة، فالفنان شخص حالم، رقيق، بسيط، يكره القيد ويحب الانطلاق. أما الكتاب فارتبط فى الأذهان بصورة المفكر والعالم، وهى صورة متجهمة مملوءة جد وصرامة وجهد.

فى عالم القيمة المالية، لو قارنا بين لوحات بيكاسو أو فان جوخ أو غيرهما من مشاهير الفنانين، وبعض مؤلفات مشاهير المفكرين والعلماء، مثل ديكارت أو برتراند رسل أو أينشتاين أو غيرهم، كم سيكون الفارق بين ثمن اللوحات، وثمن المؤلفات؟

فى بعض الأحيان تقام مزادات فنية يبلغ فيها ثمن اللوحة رقما خياليا لا يمكن أن يصل إليه أى كتاب فى العالم مهما بلغت قيمته العلمية أو الفكرية أو الأدبية! فلماذا تباع اللوحة بأضعاف أضعاف ما يباع به الكتاب! هناك من لا يتردد فى دفع مئات الآلاف إن لم أقل ملايين، لاقتناء لوحة يتباهى بامتلاكها، أما الكتاب فإنه قد لا يوجد من يدفع عشر قيمة اللوحة ثمنا له، ولو وجد لربما شعر بأنه مغبون وأن ماله يذهب هدرا!

اقتناء اللوحات الثمينة يرمز إلى التمدن والرقى الحضارى والثراء، وكلما ارتفع ثمن اللوحة، دل على ارتفاع مكانة مقتنيها وتوغله فى عالم الحضارة والجمال والرقى. أما اقتناء الكتاب فليس كذلك.

كيف يمكن لنا تفسير هذا التمايز الضخم بين سعر اللوحة وسعر الكتاب؟ هل الناس يقدرون الجمال أكثر من تقديرهم للفكر والمعرفة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved