هل بدأت الحقبة الصينية؟

علاء الحديدي
علاء الحديدي

آخر تحديث: الإثنين 6 نوفمبر 2017 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

كان المؤتمر العام الأخير للحزب الشيوعى الصينى والذى عقد فى بكين فى النصف الثانى من الشهر الماضى، وهو المؤتمر الذى يعقد كل خمس سنوات، فرصة للمراقبين والمحللين للتعرف على توجهات القيادة الصينية فى المرحلة القادمة. 

وقد كان مؤتمر هذا العام مختلفا عن كل المؤتمرات السابقة فى أمرين فى غاية الأهمية، الأمر الأول يتعلق بمستقبل قيادة الصين ونظامها السياسى، أما الأمر الثانى فيختص بعلاقة الصين بالعالم الخارجى ودورها على الساحة الدولية. فلماذا يهتم العالم بهذين الأمرين بالتحديد؟ وكيف سينعكس ذلك على مجمل الأوضاع فى العالم؟

بداية، تمثل الصين اليوم ثانى أكبر إقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة (الصين نحو ١٢ ترليون دولار والولايات المتحدة ١٨ ترليون دولار) كما أنها تستحوذ على ٢٥ ــ ٣٠٪ من حجم النمو العالمى. هذا بجانب ما تمثله الصين كأكبر مستورد وأكبر مصدر فى العالم منذ عام ٢٠١٤، وهى المكانة التى كانت تحتلها الولايات المتحدة قبل ذلك التاريخ. لذلك فإن أسعار العديد من السلع والمواد الخام أصبحت ترتبط باحتياجات السوق الصينية وتقلباتها سواء بالسلب أو الإيجاب، فإذا ارتفع الطلب على سلعة أو خامة معينة مثل الحديد أو النفط على سبيل المثال، ارتفعت أسعار الحديد أو النفط فى السوق العالمية وهكذا، وطبعا العكس صحيح. إذن نحن نتحدث عن سوق تمثل ١٥٪ من الاقتصاد الدولى وتؤثر بشكل مباشر على مجمل حجم التجارة الدولية واستقرار الاقتصاد العالمى ونموه أو تباطئه. لذلك كانت متابعة توجهات القيادة الصينية والتى يتم الإعلان عنها فى المؤتمر العام للحزب ضرورة لا غنى عنها من قبل جميع الدول والقوى الاقتصادية فى العالم.

هذه المقدمة السابقة كانت ضرورية من أجل فهم أهمية الحدث الأول الذى تميز به مؤتمر هذا العام. وهذا الحدث تمثل فى تكريس سلطة الرئيس شى جينبنج بشكل غير مسبوق وترفيعه لمكانة لم يحظ بها أى زعيم من زعماء الحزب الشيوعى السابقين، حيث تم وضع الرئيس شى فى نفس مصاف مؤسس الحزب والدولة ماو تسى تونج. وقد تناول العديد من الكتاب والمعلقين تفسير مغزى هذا التطور فى بناء القيادة الصينية وما إذا كان ذلك يعنى الخروج عن التقليد المتبع فى تسليم القيادة لجيل جديد كل عشر سنوات، وبمعنى أكثر وضوحا فإن عدم تعيين أو تسمية القيادة الصينية القادمة يعنى أن الرئيس شى سيحتفظ بمنصبه هذا لمدى الحياة، إسوة بالرئيس ماو الذى حكم الصين منذ انتصار الثورة الشيوعية التى قادها فى عام ١٩٤٩ حتى وفاته فى عام ١٩٧٦. إذن فإن توجهات وسياسات الرئيس شى لن تقتصر على فترة السنوات الخمس القادمة، ولكنها ستمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، ولذلك فإن من الأهمية بمكان إيلائها ما تستحق من اهتمام، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. يقودنا هذا إلى الحدث أو الأمر الثانى الذى توقف عنده المحللون والمراقبون، ألا وهو لغة الثقة التى تحدث بها الرئيس الصينى عن بلاده ومكانتها ودورها فى النظام العالمى، وكأن لسان حاله يقول إن الصين اليوم وقد أصبحت قطبا دوليا يجب أخذها بكل جدية. 

هذا الخطاب الصينى الجديد يختلف كلية عن الخطاب الصينى التقليدى الذى درج عليه العالم منذ نشأة الصين الحديثة، والذى كان حريصا على تأكيد انتماء الصين لدول العالم النامية والضعيفة، وعدم وجود أى رغبة أو طموح لديها للعب دور القائد للعالم الثالث، ناهيك عن منافسة الدول الأخرى والكبرى. بل أن السياسة الخارجية الصينية كانت تبتعد ــ وعن عمد ــ عن الانخراط فى العديد من القضايا الدولية وتترك هذا الأمر لروسيا أو لبعض الدول الصديقة التى ترى الصين أن مواقفها تتقارب معها. وكانت الصين لا تعلن عن موقف إلا عندما ترى أنه يمس مصالحها بشكل مباشر مثل قضايا الأقليات أو انفصال إقليم وبما يهدد وحدة الدولة، وكان غير ذلك من مختلف القضايا لا يثير اهتمامها ويقتصر دورها على المتابعة فقط.

فماذا حدث حتى تتحول الصين عن خطابها السابق وتعلن عن بداية نهج جديد ينبئ بعهد جديد للصين فى معترك القضايا والسياسات الدولية؟ أولا، هناك قوة الصين المتنامية فى المجال الاقتصادى والتى تعد اليوم ثانى أكبر اقتصاد فى العالم كما أسلفنا ومن المنتظر أن تتفوق على الولايات المتحدة وتحتل مكانتها خلال ثلاثة أو أربعة عقود تقريبا. وهو ما شجع الصين على الإعلان عن مبادرتين فى غاية الأهمية، الأولى عن إنشاء بنك جديد بإسم البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية برأسمال ١٠٠ مليار دولار لتنافس به المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولى والبنك الدولى. ثانيا مبادرتها «الحزام الواحد والطريق الواحد» والمعروفة إعلاميا باسم طريق الحرير الصينى الجديد باستثمارات تبلغ ١٢٤ مليار دولار (وهو ما عرضت له فى مقال بعنوان «تطوير القناة قبل فوات الأوان» بالشروق فى ٢٣ مايو٢٠١٧). ثانيا يأتى توقيت الإعلان الصينى هذا، وقبل أيام من أول زيارة يقوم بها الرئيس الأمريكى الحالى للصين. وقد علق البعض على اللقاء المنتظر بين شى وترامب بأنه اللقاء الذى يجمع بين أقوى رئيس للصين فى تاريخها الحديث وبين أضعف رئيس لأمريكا فى تاريخها الحديث. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ضعف الولايات المتحدة الحالى لا يعود فقط لما أصاب مؤسسة الرئاسة الأمريكية من هوان على يد الرئيس ترامب بسبب سوء إدارته وقراراته المتضاربة، ولكن أيضا بسبب تراجع مكانة ودور الولايات المتحدة على مستوى العالم. هذا التراجع الذى بدأ مع الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وكرسه الرئيس الحالى دولاند ترامب بشعاره الانتخابى «أمريكا أولا». وقد جاء إعلان ترامب عن إنسحاب بلاده من مفاوضات عقد اتفاقية تجارة حرة متعددة الأطراف مع العديد من الدول الآسيوية وكذلك من اتفاقية باريس للمناخ، ليقدم للقيادة الصينية فرصة ذهبية للإعلان عن استعدادها لملئ هذا الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكى. 

وبناء على ما سبق، فلا غرو أن يأتى خطاب الرئيس الصينى فى المؤتمر العام الأخير للحزب وكأنه بمثابة إعلان عن ميلاد قوة جديدة على الساحة الدولية واستعدادها لتحمل أعباء ومسئولية هذا الدور. وهو ما يعنى أن بكين لن تتوان عن استخدام قوتها الاقتصادية من أجل تحقيق أهدافها وتبوء المكانة والمركز الذى يتفق مع حجمها الاقتصادى، والتقدم بخطى ثابتة ومدروسة لتحل تدريجيا محل الولايات المتحدة فى المواقع والمجالات التى ستنسحب منها واشنطن، وبما يمهد لدخول العالم إلى الحقبة الصينية مع بداية القرن القادم.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved