معنى تراجع مصر فى تقرير البنك الدولى للقيام بالأعمال

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 6 نوفمبر 2017 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

أتصور أن إحباطا كبيرا أصاب المسئولين والعاملين بهيئة ووزارة الاستثمار ــ وكثير منهم زملاء قدامى سعدت بالعمل معهم خلال رئاستى للهيئة من ٢٠٠٤ إلى ٢٠٠٧ ــ عقب الاعلان يوم الثلاثاء الماضى عن تراجع مصر من المركز ١٢٢ إلى ١٢٨ فى التقرير الذى يصدره البنك الدولى سنويا لقياس مناخ الاستثمار (2008 Doing Business Report) . 

والتقرير يقارن اجراءات القيام بالأعمال فى مائة وتسعين بلدا، مستخدما منهجية تعتمد على عشرة مؤشرات مختلفة، ويضم كل منها عدة مؤشرات فرعية. وللأسف أن الترتيب المصرى لم يشهد تقدما ملموسا عن العام الماضى الا فى مؤشر واحد فقط وهو الخاص بحماية المساهمين فى الشركات، بينما تراجع أو لم يتغير باقى المؤشرات، وكان التراجع الأكبر فى مؤشر بدء نشاط الشركات. 

ولكن اعتبار وزارة وهيئة الاستثمار مسئولتين وحدهما عن هذه النتيجة الأقل من المتواضعة، على النحو السائد إعلاميا، لم يكن من الصواب، لأن تقرير البنك الدولى يرصد كفاءة وسرعة وتكلفة التعامل مع جميع الجهات الحكومية المعنية بمختلف جوانب الاستثمار، ولهذا فإن كل منها مسئول عن الجانب الذى يديره من هذه العملية المعقدة، كما أن اللوم الأكبر يقع على غياب التنسيق والتعاون بينها من أجل تحقيق نتيجة أفضل. وفى كل الأحوال فإن البيان الصادر من وزارة الاستثمار قد وضح أن الترتيب الضعيف لمصر هذا العام كان مستندا إلى المعلومات المتوافرة حتى نهاية مايو الماضى وبالتالى فلم يأخذ فى اعتباره التطورات اللاحقة، وعلى رأسها صدور قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية وقانون التراخيص الصناعية. 

من جهة أخرى فإن المنهجية التى يعتمد عليها تقرير البنك الدولى لا تتناول سوى عدد الخطوات الإدارية المطلوبة للانتهاء من كل اجراء والتكلفة المرتبطة به والمستندات المطلوب تقديمها، وهذا يجعل القياس حسابيا ودقيقا وقابلا للمقارنة بين مختلف الدول، ولكن لا يجعله معبرا بالضرورة عن جودة أو ضعف مناخ الاستثمار. ولذلك فقد تنجح دولة ما فى تحسين ترتيبها بسبب اختصار اجراءات تأسيس الشركات أو تصفيتها أو تسجيل العقارات المملوكة لها، بينما المناخ الأشمل الذى يتعامل معه المستثمرون شديد السوء لأسباب تتعلق بالتضخم أو الفساد أو الحالة الأمنية للبلد، وهذه ليست مؤشرات داخلة فى منهجية تقرير البنك الدولى. 

مع ذلك فإن كل بلاد العالم تهتم بنتائج هذا التقرير اهتماما بالغا وتبذل قصارى جهدها لتحسين ترتيبها فيه، ليس لأنه يعبر بدقة عن مناخ الاستثمار، وإنما لأنه أصبح، منذ بدء صدوره عام 2004، الأكثر انتشارا فى الأوساط المالية، والمرجع الذى يحتكم اليه المحللون والمراقبون فى تقييم الوضع الاستثمارى، وفى المقارنة بين البلدان المختلفة. ولذلك فإن تجاهله له عواقب وخيمة. ومن هذا المنطلق كان اهتمام مصر فى السابق بتحسين ترتيبها على نحو ما حدث بين سنوات ٢٠٠٤ و2008 حينما تقدمنا عشرات المراكز وحصلنا على لقب أفضل دولة فى إصلاح مناخ الأعمال عن عام 2007، قبل أن ينحسر ترتيبنا مرة أخرى إلى حيث نحن الآن. وكنا مدركين وقتها أن وضعنا فى تقرير البنك الدولى ليس أفضل تعبير عن المناخ الحقيقى للاستثمار، ولكن أن التحسن ضرورى لأنه يطلق رسالة واضحة للمجتمع الدولى بأن البلد يأخذ قضية الاصلاح القانونى والاجرائى والمؤسسى لمناخ الاستثمار مأخذ الجد، وأن التقدم فيه ممكن متى تعاونت كل أجهزة وهيئات الدولة. 

ترتيب مصر فى تقرير البنك الدولى مهم. إن لم يكن لأسباب موضوعية فعلى الاقل لتأثيره السلبى على صورة الاستثمار فى البلد، كما أن الاهتمام به يؤدى إلى حشد الطاقات وتشجيع التعاون والتفاهم بين مختلف أجهزة الدولة المعنية بالاستثمار بشكل واسع.
ولكن الأهم هو ألا يتحول ترتيبنا فى تقرير البنك الدولى إلى المعيار الوحيد لنجاح السياسة الاستثمارية لأن هذا موضوع مختلف تماما ويحتاج إلى انصات لأحوال المستثمرين، وتفاعل مع مشاكلهم، وتقدير لاحتياجات الصغار منهم قبل الكبار، والمزيد من التعاون والتقدير للدور الذى تلعبه جمعيات المستثمرين خاصة فى المحافظات.

نتيجة تقرير هذا العام كانت بلا شك محبطة، ولكنها ليست نهاية المطاف وليست الأكثر أهمية فى التعبير عن حالة الاستثمار فى مصر، والمهم أن نتعلم منها الدروس السليمة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved