سقوط نظرية حارس البوابة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 6 ديسمبر 2018 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

شخص ما يجلس فى منزله، يفتح هاتفه، ويتحدث على الهواء مباشرة مع الجماهير، ويمكنه أن يصل إلى الملايين منهم، من دون وجود وسيط أو رقيب أو سلطة من أى نوع.
ما سبق نعرف أنه موجود منذ تطور وسائل التواصل الاجتماعى بشكلها الراهن. لكن قصة مغنى المهرجانات محمد محمود أو «حمو بيكا» لفتت نظرى إلى هذه الوسيلة الخطيرة من الاتصال.
فى هذه القصة العديد من العبر والدروس، لكن للأسف فإن البعض نظر إليها فقط من زاوية وحيدة هى مستوى الفن صعودا أو هبوطا.
بعض أخطر ما فى هذه القصة هى أن حمو بيكا يستطيع الوصول إلى جمهوره مباشرة من دون عوائق. يكفى أن يضغط على زر «لايف» أو «بث» وبعدها يكون على اتصال مباشر مع الجماهير.
ليس هذا افتراضا لكنه حدث بالفعل، أو يحدث طوال الفترة الماضية، فقط نحن لم نكن نعرف ذلك. هناك عالم مواز بالكامل، لا نعرف عنه شيئا.
أغنية بيكا «رب الكون ميزنا بميزة» سجلت عشرة ملايين مشاهدة، وإذا افترضنا أن هذا المطرب وصل إلى مليون واحد منهم فقط، فهذا يعنى الكثير.
إذا هو ليس فى حاجة لأى قنوات تواصل رسمية أو شبه رسمية أو حتى خاصة، لكى ينقل رسالته أو يصل للناس.
ماذا يعنى كل ذلك؟!.
يعنى أن مفهوم «حارس البوابة» الذى درسناه فى كليات ومعاهد الإعلام طويلا، قد اختفى تماما واندثر. طبقا لهذا المفهوم هناك حكومة أو جهات رقابية تمثلها، أو هيئات تحريرية ورقابة ذاتية داخل وسائل الإعلام تقوم بإدارة وفلترة الرسائل الإعلامية، وضبطها طبقا للدستور وللقانون والأجواء والآداب العامة فى المجتمع.
الآن كل ذلك، تغير أو فى سبيله للتغيير..
أن يقوم شخص عادى ببث مباشر لأصدقائه وزملائه محدودى العدد، فهذا أمر طبيعى، ولن يكون له تأثير كبير، لكن أن يخاطب هذا الشخص جمهورا غفيرا بالملايين، فالأمر مختلف تماما.
هو فى هذه الحالة لن يكون محتاجا إلى الحصول على ترخيص جريدة أو موقع إلكترونى أو فضائية. يكفيه فقط أن يكون لديه هاتف نقال ليخاطب الناس مباشرة. هو فى هذه الحالة يعمل من خارج كل الصناديق الرسمية، هو يعمل فعلا «من بره الصندوق»!.
سيقول البعض ولكن القوانين الأخيرة تعالج مثل هذه الثغرة، ونتعامل مع أى حساب إلكترونى يزيد عدد متابعيه عن خمسة آلاف متابع، باعتباره وسيلة إعلام تخضع للقانون؟!
نعم هذا الأمر صحيح، لكن القوانين تركز أساسا على من يتحدث فى السياسة، خصوصا إذا كان معارضا؟! لكن هل فكر أحد منا فى حكاية حمو بيكا قبل أن يدخل دائرة الاهتمام بعد إلغاء حفلاته الأخيرة؟!.
بيكا كان يتواصل مع جمهوره، من وراء ظهر المجتمع بأكمله فى العالم الموازى الذى لا ندرى عنه شيئا.
معظمنا مشغول بالسياسة بمعناها الضيق، لكن لم يفكر أحد فى من يشغل اهتمامات ملايين الناس. هؤلاء الناس الذين وصل إليهم حمو بيكا، لا تعرف الحكومة والدولة عنهم شيئا، ولا يعرف عنهم الإعلام التقليدى شيئا، وهم لا يعرفونه أيضا، هم فى عالم آخر مختلف تماما، لديهم حياتهم الخاصة وأغانيهم ونمط حياتهم وإعلامهم.
السؤال إذا كان بيكا مقدورا عليه، وسوف يدخل فى إطار السيستم، فماذا عن الآخرين، خصوصا أولئك الذين لا يعيشون فى مصر، لكن يهتمون بها أو يستهدفونها؟!
أليس مطلوبا فى هذه الحالة أن نعيد النظر فى معظم ما نعتقد أنه مسلمات، خصوصا فى مجال الإعلام والاتصال الجماهيرى؟!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved