خطورة أن تحيا في بلد «وأخت علاء كانت موجودة»

أحمد سمير
أحمد سمير

آخر تحديث: الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

(1)

أقف منتبهًا وسط قاعة المحاكمة..

منى سيف في قفص الاتهام وتلوّح لي بيدها فأشير لها في سعادة.

الزحام والضوضاء يحيطان بي.. أقترب من الشاهد وأخترقه بنظراتي الثاقبة.. لربع ساعة كاملة أحاول التركيز في كل كلمة تقال من شهود الإثبات.. أتأمل انفعالاتهم بفراستي المعتادة.. وأبحث عن الثغرات في القضية.

فجأة اقترب مني واحد ابن حلال ووضع يده على كتفي قائلاً:

- وربنا دي ما قضيتنا أصلاً يا «أحمد».

(2)

يبدو أنني لا أعرف شيئًا.. القفص كان مظلمًا والزحام شديدًا وأفراد الأمن أكثر من الحضور.

السؤال الآن.. هل من لوّحت لي بيدها هي منى سيف أم إنني لم أر وسط الإضاءة شديدة الخفوت؟ عندما أقابل «منى» في المرة القادمة سأسألها..

أتعجب من أن القاضي يرى وسط هذا الظلام..

(3)

يقول الصحفي الوليد إسماعيل:

"شاركت في المسيرة التي توجهت من وسط البلد إلى الدقي، حيث مقر حملة شفيق.. المسيرة هتفت ضده وضد حكم العسكر.. وصلنا المقر وبعد ساعة قام البعض باعتلاء السور، ودخلوا مقر الحملة، وخرجوا بملصقات الدعاية له، وألقوا بها في الشارع، ثم اندلعت النيران، ولم يكن هناك وجود لـ«علاء» و«منى».

انتهت الأمور وكان بعض الزملاء ينتظرونني أمام الشيراتون، وهنا شاهدت «علاء» قادمًا مع شقيقته «سناء»..

«علاء» و«سناء» سألا عن المسيرة فقلت لهما إن الشباب انصرفوا، وهنا تجمّع بعض أنصار «شفيق»، وسبوا «علاء»، وحاولوا الاعتداء عليه.. كان كل هم «علاء» إبعاد «سناء» عن أنصار «شفيق»، ووقف معه بعض الشباب من المارة.

والله على ما أقول شهيد..

(4)

كانت هذه تقريبًا أول مرة أدخل قاعة محكمة.. لا داعي لادعاء أنني أعلم شيئًا.. أنظر إلى القاضي الذي أعتقد أنه يعلم فأسمعه يحكم بالسجن المشدد لمدة سنة مع الشغل لعلاء عبد الفتاح و11 متهمًا، بينهم منى سيف شقيقته، ووقف التنفيذ.

(5)

"أنا مانزلتش من البيت ساعتها"

هكذا تقول لي «منى» مبتسمة.. فأسألها عن سبب ذكر اسمها أصلاً في القضية، فتقول ببراءة:

- أصل واحد من أنصار «شفيق» قال إن أخت «علاء» كانت موجودة.. وهم مايعرفوش إن له أخت تانية.

«منى» أُدينت بتهم الإتلاف العمدي للممتلكات وسرقة المنقولات واستعراض القوة والتلويح بالعنف، وبث الرعب في نفوس المجني عليهم؛ لأن الدولة لا تعرف إن علاء له أخت أخرى.

هذا مضحك جدًّا.. وبشكل ما.. هذا مرعب جدًّا.

(6)

"حكم مع إيقاف التنفيذ.. ده أنا معرفش فين مقر «شفيق»"

هكذا يقول أحمد عبد الله أحد المدانين بحرق مقر «شفيق».

«أحمد» لا يعرف أين مقر «شفيق».. ولكن هذه الحقيقة البسيطة لم تهم طلعت عبد الله، النائب العام، الذي عيّنه «مرسي» عندما أمر بإعادة فتح القضية، وإحالة المتهمين للمحاكمة رغم تنازل «شفيق» عن دعواه أصلاً.

المحاكمة انتهت بإدانة بشر كانوا في بيوتهم وكانوا معارضين لـ«مرسي» الذي عيّن طلعت عبد الله.

الإخوة في الله كانوا حينها سعداء لتنكيل نائبهم العام بخصومهم..

تبدّلت السلطة.. وتبدّل النائب العام.. ويبدو أن جنود الدعوة الربانية لم يعودوا بنفس الحماس لفكرة تعيين السلطة التنفيذية للنائب العام.

كلنا نعرف أن السعادة في الدنيا لا تدوم طويلاً.

(7)

مقر «شفيق» تم إحراقه.. هذا حدث.. ولكن قدرات الداخلية على البحث الجنائي وتحريات الشرطة قائمة على أن "أخت علاء كانت موجودة".

لا كاميرات تصور ولا ضباط مدربين يبحثون ولا أي شيء.. مجرد كلمة سمعها مخبر هنا وشهادة خصم هناك..

ربما كان جهاز البصاصين عند المماليك أكثر كفاءة وقدرة على الوصول للمعلومة مما يحدث الآن!

أضف لمعلوماتك: الداخلية لم تتوصل حتى الآن إلى المتهمين بتفجير شرم الشيخ 2005؟ ولا دهب 2006؟ ولا كنيسة القديسين 2011؟ ولم يتم تقديم أي متهم في هذه القضايا للمحاكمة.

يومًا ما قال لي صديق صعيدي:

"كل بيت عندنا في القرية يملك سلاحًا والأمن عارف وكل شوية يلموا مننا السلاح فنديهم كام قطعة خربانة بنشتريها مخصوص عشان نديها بعد كده للحكومة.. لكن السلاح اللي بنستخدمه وقت الجد عندنا في مكان تاني".

بهذه البساطة يحدث استغفال جماعي ممنهج.. وهو استغفال ما كان ليحدث لولا أن كل ما يهم الضباط علامة صح في خانة جمع السلاح في تقارير الجهود دون أي اهتمام حقيقي بأمن البلد ولا بمواجهة المشكلة.

(8)

أتقدم من دكتورة ليلى سويف، والدة علاء ومنى، لأقول لها مبروك على الحكم على ابنيها بوقف التنفيذ، ولكن يسبقني آخر إليها، وما إن قال لها مبروك حتى صرخت فيه قائلة:

ــ هو حد منهم كان هناك أصلاً.

يبدو السؤال بسيطًا.. وهو سؤال يتردد من مئات الأمهات يوميًّا ممن يحكم على أبنائهن، سواء لأنه معارض للسلطة، أو لأنه لا يروق للسيد ضابط القسم.

(9)

هذا بلد لا نموت فيه ولا نحيا..

أفهم أن ندفع ثمن اختيارنا.. لكن ما معنى أن ندفع ثمن فشل السادة الضباط المهني.

عدت لمنزلنا.. أشاهد في التلفاز تقريرًا خبريًّا من محكمة ما.. تأملت القاضي.. يبدو لي أنه يريد العدل.. شعرت نحوه بحميمية.. بشكل ما أو بآخر هو يُذكِّرني بنفسي في قاعة المحاكمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved