أجيال جديدة: الفلسطينيون يطعنون والإسرائيليون يتوحشون

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 7 أبريل 2016 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

أظهرت أشهر الإرهاب الستة الأخيرة لنا الأجيال الجديدة التى كبرت فى السنوات الأخيرة من على جانبى الخط الأخضر: الفلسطينيون – الجدد، والإسرائيليون – الجدد. وتختلف هاتان الظاهرتان فى طريقة تجليهما ــ الفلسطينيون يطعنون، والإسرائيليون يتوحشون ويعربدون. لكن الظاهرتين تثيران القلق، والقاسم المشترك بينهما هو الاحتقار المطلق لكل مصادر السلطة وللمؤسسات الاجتماعية كلها، إلى حد أن القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية تخشاهما. وبدلا من أن يقود الزعماء هؤلاء الشباب، فإن الجيل الشاب والثائر هو الذى يقودهم.

فى السنة الأخيرة واجه جنود الجيش الإسرائيلى المنتشرون على الحواجز فى المناطق [المحتلة] ظاهرة لم يألفوها من قبل. «من أين أنتَ؟» و«إلى أين أنت ذاهب؟» سؤالان يطرحان منذ عشرات السنين على كل فلسطينى يعبر الحواجز، ويجيب عليهما بإذعان. فى الفترة الأخيرة الرد على هذين السؤالين أصبح استفزازيا: «ليس شأنك من أين أنا وإلى أين أنا ذاهب؟»، و«من أنتَ أصلا كى تسألنى؟».

هذا ما يسمعه الجنود من الشبان الفلسطينيين.

***
يختلف الجيل الذى يقود هجوم الإرهاب الحالى عن جيل الانتفاضتين السابقتين. ومن خلال التحقيق مع 90% من الذين ألقى القبض عليهم أحياء خلال نصف السنة الأخيرة، ترتسم صورة جيل لم يعرف ولا يتذكر صدمات الانتفاضتين السابقتين. جيل لم يزر إسرائيل قط، ولم تر عيناه البحر ولم يسافر إلى الخارج، لكنه يعيش من خلال الشبكة العنكبوتية، وعبرها يتعلم ويتعرف على العالم. ومرجعيته ليست العالم العربى بل إسرائيل.

إنه جيل لا يهتم بصيغة لحل النزاع، ولا يهمه إذا أجرت إسرائيل مفاوضات مع السلطة أم لم تجرها. إن الذى يهمه هو أمر واحد: حقوقه كإنسان. وفى نظره إسرائيل تحرمه الحقوق الأساسية للإنسان التى يطالب بها، ولا يقلقه فعلا أن تقوم أو لا تقوم دولة فلسطينية.

مرارا أثناء التحقيق، يعطى المحققون المخربون هواتفهم لمعرفة المواقع التى يدخلون إليها. أغلبية هؤلاء الشبان هم من أبناء الطبقة الوسطى، يقرأون كثيرا مضمون كتابات تنظيم داعش والحركات السنية المتطرفة فى سورية والعراق، لكنهم ليسوا فعلا متدينين. وهم يقرأون أيضا مواد كثيرة عن إسرائيل، وعن الديمقراطية الإسرائيلية، وعن الخطاب السياسى عندنا، ويشعرون بأنهم يريدون الحصول على مثل هذا الانفتاح.
وهم لا يثقون بأى مؤسسة من المؤسسات الفلسطينية. إنهم قبل كل شىء يحتقرون أهلهم، ولا يعتبرونهم مرجعا لهم، ويكرهون السلطة [الفلسطينية] (ولولا الاحتلال الإسرائيلى لكانوا ثاروا ضدها)، كما يحتقرون تنظيمات الإرهاب المنظمة. وكثير من المخربين يحرصون على الكتابة على صفحاتهم [على الفيسبوك] قبل تنفيذهم هجوما أنهم لا يريدون من أى تنظيم إعلان مسئوليته عن أعمالهم.

سجن عوفر، مثل سائر السجون، مقسم تقليديا إلى أجنحة وفقا للانتماء التنظيمى: جناح «حماس»، وجناح «فتح»، وجناح الجبهة، وفى الفترة الأخيرة أقيم جناح جديد هو جناح «الوحدة الوطنية». المخربون الجدد لا يريدون الانتماء إلى أى تنظيم من التنظيمات الموجودة. وأكثر من أى شىء، يحتقرون إسرائيل. وكما فى «الربيع العربى» لم تعد هناك حواجز خوف تعيقهم.

فى الأسابيع الأخيرة برز مجددا انخفاض فى عدد الهجمات، لكنى أحاذر الحديث عن خمود الإرهاب، فهذا الجيل جزء من كم بشرى هائل ينتمى إلى شريحة عمرهم ــ يوجد فى المناطق [المحتلة] 950 ألف فلسطينى تراوحت أعمارهم بين 15 و30 عاما هم الخزان الأساسى للمهاجمين فى الأشهر الأخيرة. نحو ثلثهم أتموا دراسة متوسطة وعليا، بيد أن ثلثهم عاطل عن العمل.

هم يتعلمون ويراكمون الشهادات، ولا يجدون عملا. فقد تقدم عقب إعلان وظيفة جابى مياه فى قرية طوباس 370 مرشحا نصفهم يحملون شهادة جامعية. ولكل وظيفة شرطى شاغرة يتسابق المئات من أجل الحصول على راتب 1200 شيكل كشرطى فى السلطة [الفلسطينية]. ويمكن أن نجد فى المناطق [المحتلة] عددا لا بأس به من الكيميائيين الذين تحولوا إلى خبازين، وحملة شهادة فى الرياضيات يعملون فى البناء.

فى وقت الفراغ الكبير لدى هؤلاء الشباب هم يدخلون إلى الفيسبوك. يوجد فى يهودا والسامرة [الضفة الغربية] 1.7 مليون يستخدمون الفيسبوك من مجموع 2.8 مليون فلسطينى. ومن أجل المقارنة: يوجد فى إسرائيل قرابة 4 ملايين حساب فيسبوك من مجموع 8 ملايين نسمة. إنه جيل [فلسطينى] مختلف معارض ومرفوع الرأس أكثر من كل الفلسطينيين الذين عرفناهم فى المواجهات الماضية، وهو لن يخضع.

***
الإسرائيليون ــ الجدد هم مثل الفلسطينيين ــ الجدد يعيشون فى الشبكة العنكبوتية. وهم أيضا يحتقرون كل مرجعية ومؤسسة اجتماعية ومستعدون لتقديس العنف فقط. إنه جيل جديد يحطم التراتبية الهرمية، والبطل فى نظره ليس الذى أوقف تقدم فرقة سورية فى الجولان، أو قفز على قنبلة من أجل إنقاذ رفاقه، إنما هو الذى خلع خوذته وأطلق النار على رأس مخرب لأنه «يستحق أن يموت».

كل من لا يوافقهم الرأى خائن حتى لو كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلى أو وزير الدفاع، وهم لا يريدون تشويشهم بالوقائع. والأكثر إحراجا هو رؤية نوابنا يحاولون إرضاءهم والحصول منهم على «Likes» على الفيسبوك. إن الخوف على مستقبل دولة إسرائيل الذى عبر عنه الراحل مئير داغان [الرئيس السابق للموساد الذى توفى قبل أسبوع]، يبدو اليوم مبررا أكثر من أى وقت مضى.

إن ظاهرة فقدان الثقة فى المؤسسات والأجهزة ليست خاصة بنا وبالفلسطينيين، فهى منتشرة وسط الشباب فى العالم الغربى كله. فى الولايات المتحدة مؤيدو بارنى ساندرز [الديمقراطى] ودونالد ترامب [الجمهورى] يحركهم الاحباط عينه من الأجهزة السياسية وعدم الثقة بها.

لكننى ما زلت أؤمن بأنه يوجد فى إسرائيل أغلبية مختلفة. أغلبية عاقلة، عاملة، تخدم دولة إسرائيل وتساعدها، ولا تتماهى مع الرعاع الذين جاءوا ليتظاهروا هذا الأسبوع خارج المحكمة العسكرية وهم يرفعون شعارات ولافتات شبيهة بأسوأ تلك التى تُرفع فى مدرجات كرة القدم.

برزت معطيات مقلقة جدا فى الاستطلاع الذى نشره معهد «بيو» الشهر الماضى عن السكان فى إسرائيل، لكن كان بينها أيضا معطى واحد مشجع: 56% من الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم من تيار الوسط، بينهم علمانيون وتقليديون ومتدينون. وهذا يعنى أنه مع زعامة صحيحة سيكون فى الامكان اعادة التعقل إلى البلد، وإعادة الهامشيين إلى مكانهم.

منذ سبع سنوات نعيش من دون معارضة للحكومة، فاليمين فقط هو الذى يتحدى رئيس الحكومة. وهذا يبقى الخطاب السياسى عندنا داخل نطاقه الضيق بين نتنياهو وبينت، ويعطى الانطباع الخطأ بأن المجتمع الإسرائيلى كله موجود داخل هذا النطاق. ولم ينجح أى حزب من الأحزاب الموجودة فى تمثيل الأغلبية الصامتة العاقلة.
  
ألون بن ديفيد


معاريف

المعلق العسكرى فى القناة العاشرة

نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved