الوجود العسكرى الأجنبى فى منطقة الساحل الإفريقى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 7 مايو 2018 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة «Institute For Security Studies» مقالا للباحثين إبراهيم ميجا ونادية آدم عن انتشار الوجود العسكرى الأجنبى وخاصة الأمريكى والفرنسى فى منطقة الساحل الإفريقى. فالوجود العسكرى الأجنبى فى المنطقة كان مقصورًا سابقًا على تقديم المشورة والتدريب وتجهيز الجيوش الوطنية، ولكن منذ بداية الأزمة المالية عام 2012، توسع الوجود العسكرى ليشمل قوات برية نشطة وقواعد لوجستية وعسكرية.

بداية أشار الباحثان إلى انتشار القوات العسكرية الأجنبية خاصة القوات الأمريكية والفرنسية، فى منطقة غرب إفريقيا وخصوصا منطقة الساحل وأن الوجود العسكرى للقوات الأجنبية واجه انتقادات عديدة وعلنية، لأنه ينظر إليه على أنه بمثابة احتلال لجزء من أراضى الدولة، كما أنه فى أوقات كثيرة لا تستطيع تلك القوات التصدى لعدم الاستقرار، فضلا عن أن هذا الوجود العسكرى يؤدى إلى نتائج عكسية.

ففيما يتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية فى غانا، قال الرئيس الغانى «نانا أكوفو أدو» فى إبريل الماضى: «دعونى أؤكد أن غانا لم ولن تسمح للولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية فيها»، وجاء هذا التصريح ردا على الاحتجاجات التى هزت البلاد بعد توقيع اتفاق تعاون دفاعى مع الولايات المتحدة.

وقبل أربعة أشهر، نفت السلطات النيجيرية أنها سمحت بنشر قوات عسكرية إيطالية فى شمال البلاد، وهو ما كان سيضاف إلى القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية الموجودة فى منطقة أغاديز.

من الجدير بالذكر أن الوجود العسكرى الأجنبى فى المنطقة كان مقصورا سابقا على تقديم المشورة والتدريب وتجهيز الجيوش الوطنية. ولكن منذ بداية الأزمة المالية عام 2012، توسع الوجود العسكرى ليشمل قوات برية نشطة وقواعد لوجستية وعسكرية. ولقد عجل وجود جماعات متطرفة فى شمال مالى بالتدخل العسكرى الفرنسى فى يناير 2013، وساعد هذا على وقف تقدم المتطرفين نحو الجنوب، وساهم فى إخراجهم من المدن الكبرى.

فى ظل الوجود العسكرى، أصبحت مالى والنيجر على مفترق طرق من عدم الاستقرار الإقليمى، كما أصبحت مركزا لديناميكيات أمن الطاقة الغربية فى منطقة الساحل. على الرغم من استخدام خطاب أمنى مماثل لتبرير وجودهم، إلا أن القوى الغربية تبدو لديها أجندات مختلفة.
***
ويضيف الباحثان بأنه إذا ظلت الحرب ضد الإرهاب تحتل الأولوية الأولى للولايات المتحدة فى المنطقة، فإن الشركاء الأوروبيين مثل ألمانيا وإيطاليا سيقومون بتعزيز وسائل السيطرة على الهجرة لبلادهم، فأصدرت الحكومة الإيطالية فى ديسمبر الماضى قرارا بإرسال قوات إلى النيجر لمكافحة الإرهاب، ويركز هذا القرار بشكل أساسى على السيطرة على تدفقات الهجرة. فوفقا للمنظمة الدولية للهجرة، تعد النيجر «بلد العبور الرئيسى» لأكثر من 75٪ من المهاجرين واللاجئين الذين يصلون إلى ليبيا ويحاولون الوصول فيما بعد إلى السواحل الأوروبية والإيطالية.

أما بالنسبة إلى ألمانيا فقد ساهمت بنحو 1000 جندى فى بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار فى مالى، كما افتتحت قاعدة لوجستية ألمانية فى نيامى عاصمة النيجر فى إطار جهود مكافحة التطرف، وتعمل على تعزيز الوجود الألمانى فى منطقة الساحل الإفريقى وأن تكون طليعة الدول المكافحة للهجرة غير النظامية.

لقد عجل تصاعد التطرف العنيف والجريمة المنظمة فى منطقة الساحل الإفريقى بالوجود العسكرى الأجنبى، مما أدى إلى إضعاف دول المنطقة، حيث تتسم النظم السياسية فى منطقة الساحل الإفريقى بالفساد المستشرى، وضعف النظام القضائى، وعدم القدرة على توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية لمواطنيها، مما أدى إلى خلق بيئة مناسبة لتنامى الجماعات المتطرفة التى تعمق روابطها المحلية لتعزيز جهودها.

***

كان التدخل العسكرى الفرنسى فى عام 2013 بناء على طلب من السلطات الانتقالية المالية، وكان هذا التدخل تحت مسمى الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين، ولكن الهدف الرئيسى يتمثل فى الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية فى المنطقة وحماية مواطنيها.

لقد تم استبدال بعثة عملية «سرفال» الفرنسية فى مالى بعملية عسكرية جديدة تحت اسم «برخان» والتى تهدف إلى مكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل. وتعتبر عملية «برخان» أكبر عملية عسكرية خارجية لفرنسا إذ يشارك فيها أربعة آلاف جندى فرنسى ينتشرون فى خمس دول بالمنطقة هى مالى والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا.

بجانب الوجود العسكرى الفرنسى فى منطقة الساحل الإفريقى تنتشر القوات العسكرية الأمريكية والألمانية بشكل كبير فى المنطقة. ففى أكتوبر الماضى، قتل جنود فى هجوم إرهابى استهدف دورية أمريكية ــ نيجرية فى جنوب غرب النيجر قرب الحدود مع مالى. وأسفر الهجوم عن مقتل أربعة جنود أمريكيين وخمس جنود نيجريين فى قرية تونغو تونغو، القريبة من الحدود مع مالى. أعلن «تنظيم الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى» مسئوليته عن الهجوم. ولم يكشف هذا الهجوم عن مدى الوجود العسكرى الأمريكى فى النيجر فحسب، بل يكشف أيضا عن تزايد الوجود العسكرى الأمريكى بالمنطقة. كما أظهر أنه على الرغم من الجهود الإقليمية لمواجهة التطرف والإرهاب، لا تزال الهجمات الإرهابية مستمرة.

يحمل الخطاب الذى أعقب الهجوم فى قرية تونغو تونغو ــ الذى يمثل منطقة الساحل الإفريقى كواجهة جديدة للجهاد العالمى ــ مخاطر كبيرة، ولقد أبرزت دراسات عديدة، من بينها معهد الدراسات الأمنية، أهمية الديناميكيات المحلية عند النظر فى ظهور الجماعات الإرهابية وانتشارها فى المنطقة، فعلى سبيل المثال تستغل الجماعات الإرهابية شكاوى المواطنين ضد دولهم، والتوترات المجتمعية بين المزارعين والرعاة.

علاوة على ذلك، يبدو قرار الولايات المتحدة بإضعاف قواعد الاشتباك للقوات المنتشرة على الأرض محفوفا بالمخاطر. ويمكن استغلال أخطاء الاستهداف من قبل الجماعات المتطرفة العنيفة لتعزيز وجودها وبالتالى التأثير على فعالية التدخلات.

***

يختتم الكاتب حديثه بالإشارة إلى أن الاستياء الشعبى من الوجود العسكرى الأجنبى ازداد فى المنطقة، وتواجه القوات الفرنسية ــ التى حظيت بإجماع شبه عام فى مالى فى عام 2013 ــ انتقادات عامة متنامية، حيث نشبت الاحتجاجات فى جميع أنحاء مالى منددة بالسياسة الفرنسية، والتى ينظر إليها على أنها تسعى فقط لحماية مصالحها على حساب مصالح السكان المحليين. وفى النيجر أيضا، هتف المتظاهرون «برحيل الجيوش الفرنسية والأمريكية والألمانية!» خلال المظاهرات التى اجتاحت البلاد فى فبراير الماضى.

باختصار، إن التدخلات العسكرية العديدة فى منطقة الساحل الإفريقى تظهر رغبة القوى الغربية فى الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وهذا يدل على وجود منطقة ضحية للحسابات الجغرافية السياسية للقوى الأجنبية.

إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى https://bit.ly/2vRQRmu

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved