خناقة وحيد حامد

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 7 يوليه 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

حواران تليفزيونيان أُجريا الأسبوع الفائت مع الكاتب والسيناريست وحيد حامد حول مسلسل «الجماعة 2»، المعروض فى رمضان الماضى، أثارا جدلا واسعا ونقاشا محتدما، بالتوازى مع الهجوم الذى شنه بعض التيارات السياسية على المسلسل أيضا!

بعض الوفديين استفزه مشهد تقبيل الزعيم الراحل مصطفى النحاس ليد الملك فاروق، ورد بعنف متهما وحيد حامد بالجهل وتزييف التاريخ، وبعض الناصريين استفزه بشدة إشارة المسلسل لانضمام جمال عبدالناصر للإخوان فى بداية تأسيسه لتنظيم الضباط الأحرار، وكذا مشهد تهديد جمال سالم لعبدالناصر بمسدسه!

وظهر ــ للغرابة ــ أن أقل الناس انتقادا للمسلسل هم الإخوان؛ خصوصا أن قطاعا لا يستهان به من أحداث المسلسل يتبنى الرواية الإخوانية بالكامل، ودون أى تغيير (سيبرر وحيد حامد ذلك، وإن كان ليس من الضرورى أن نقتنع بما قدم أو نقبل بما عرض من رأى أو تفسير).

لم يكن وحيد حامد، وهو كاتب وسيناريست مخضرم له باع طويل وأعمال درامية تشهد له بالخبرة والإحكام وتضعه فى صدارة كتاب السيناريو المصريين فى العقود الأخيرة، غافلا أو متغافلا عن هذه الأمور ولا عن «الخناقة» التى ستشتعل بالتأكيد حول خياراته وتعبيره عن الأحداث التاريخية، كان واعيا تماما بما يمكن أن يوجه له من سهام النقد أو يثار هنا أو هناك حول تفصيلة ما أو واقعة بعينها أو مشهد بذاته، بل ربما كان متعمدا أن يثير هذه العواصف ضده وحول مسلسله.

فى النهاية، حَكم وحيد حامد منطقٌ معين وتصور كامل انطلق منه أثناء الكتابة، وعبر عنه خلال الحديثين المشار إليهما (وإن كانت درجة ثقافة محاوريه وإلمامهما بحدود المادة التاريخية لم تسمح لهما بتجاوز الانتقائية وعشوائية التناول والتركيز على تفصيلة ما دون وضعها فى سياقها ككل، ولا ردها إلى الخط الدرامى العام للمسلسل أو حتى السياق التاريخى المرجعى الذى اعتمده وحيد حامد فى سرد الأحداث).

المسلسل يسرد تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وصدامها بالسلطة المصرية، فيما بعد مقتل مؤسسها حسن البنا عام 1949 وحتى إعدام منظرها الأخطر وواضع أيديولوجيتها الأعنف سيد قطب عام 1966. ظهرت شخصيات تاريخية لعبت أدوارها بما لها وما عليها، إن كان من جانب السلطة آنذاك (نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر) أو من جانب الإخوان وشخصياتهم البارزة التى قادت الأمور إلى ما صارت إليه.. وكان أكثر ما أثار الجدل وتسبب فى هجوم قطاع لا يستهان به من المشاهدين على المسلسل العلاقة بين جمال عبدالناصر وسيد قطب التى صورها على أنها علاقة تلميذ بأستاذ!

وحيد حامد أكد أنه بنى كل مشهد أو جملة حوار فى المسلسل على معلومة موثقة أو بالرجوع إلى مصدر معتمد ــ بحسب وجهة نظره، لأنه فيما أظن كان يتغيا فى المقام الأول التعريف والكشف واستعراض المعلومات وإظهار ما خفى من وقائع تلك الفترة بشكل أساسى، ولهذا ففى ظنى أيضا غلب التاريخُ الدراما وانتصرت المعلومة على التحليل النفسى أو الذهنى، صحيح أن كتابة وحيد حامد لم تفقد بريقها ولا جاذبيتها بالكامل، لكن ظل الهاجس المسيطر عليه أثناء الكتابة ــ فيما أتصور ــ مغلبا روح المؤرخ والكاتب على حساب صانع الدراما ومؤلفها.

أتفق مع ما قاله الناقد المغربى القدير محمد مشبال «إن كاتب السيناريو والروائى عندما ينشغلان بالوثائق وكتب التاريخ لفترة طويلة قبل صياغة العمل الفنى أو الأدبى، فطبيعى أن يترك هذا الانشغال آثاره وتظهر أعراضه فى العمل. ولأجل ذلك، فلا بد من مسافة بين المعلومة وبين التعبير، إذا لم تُحترم هذه المسافة فسنسقط فى فخ التوصيل بدل التشكيل».

وهو ما حصل فعلا فى المسلسل، وتسبب فى الخناقة التى ما زالت مشتعلة حتى الآن!

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved