السياق الإقليمى لخفض المعونة.. أو ما بعد انهيار حلف ترامب «السنى»

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الخميس 7 سبتمبر 2017 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

منذ العشر الأواخر من شهر مايو الماضى، حين انعقدت القمة الأمريكية / الخليجية /العربية /الاسلامية فى الرياض، حدثت متغيرات كثيرة فى الإقليم، بعضها بدا مفاجئا، واحدثها من حيث التوقيت خفض جزء من المعونة الأمريكية لمصر، وتأجيل جزء آخر منها، فهل يوجد بين تلك المتغيرات أكثر من عامل الارتباط الزمنى؟
ما هى أولا المتغيرات التى نتحدث عنها؟
بالطبع تأتى هزيمة تنظيم داعش المؤكدة فى العراق وسوريا فى الصدارة.
وبعدها يجىء التجول الجذرى فى مسار الحرب الأهلية السورية لمصلحة نظام بشار الأسد، وحلفائه الروس والإيرانيين وحزب الله.
وثالثًا تأتى المفاتحات الأولية بين السعودية وبين إيران، تمهيدًا للحوار.
أما رابعًا: فتجىء التطورات المتذبذبة فى اليمن، ولكن المنبئة برغبة سعودية فى الوصول إلى تفاهم مع خصومها الحوثيين، من خلال التفاهم أولا مع الرئيس السابق على عبدالله صالح حليف «الحوثى» منذ عدة سنوات.
خامسا: قبل كل ذلك، ومعه، وبعده، وقف التصعيد الرباعى السعودى الإماراتى البحرينى المصرى ضد قطر، وبالأحرى ترك الأزمة للتجمد، ثم التحلل مع الزمن.
سادسا: إعلان استراتيجية ترامب فى أفغانستان، وجوهرها استمرار الوجود العسكرى الأمريكى هناك، وزيادته إذا تطلب الموقف الداخلى هذه الزيادة.
وفيما كانت هزيمة داعش «الدولة» فى العراق وسوريا، متوقعة منذ تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضتها، بوصفها العاصمة الداعشية، فقد بدت الاستجابة السعودية لهذه المتغيرات الكبرى فى العراق وسوريا مفاجئة فى سرعتها، وشمولها.
من حيث السرعة غير المعتادة فى الدبلوماسية السعودية، فقد وضحت من دعوة الزعيم الشيعى الشاب مقتدى الصدر لزيارة الرياض، فور تحرير مدينة تلعفر من سيطرة داعش، وفور التيقن من تحول مسار الحرب السورية نهائيًا لمصلحة الأسد وحلفائه، وخاصة بعد تمكن قوات حزب الله من هزيمة جبهة النصرة أولا، ثم داعش ثانيًا فى جنوب شرق دمشق، ثم الرسائل المتتالية والمتسارعة إلى إيران خلال موسم الحج، والردود الإيجابية العلنية من جواد ظريف وزير خارجية إيران على هذه الرسائل بتوقع تبادل الزيارات الدبلوماسية بين البلدين بعد الموسم.
لا محل هنا لاعتبار نفى عادل الجبير، وزير خارجية السعودية، حدوث تقارب مع إيران قطعا للطريق الذى فتح، فيقينا لم يحدث تقارب بعد، ولكنها مفاتحات كما سبق القول، وليس معقولا أن الرياض استضافت مقتدى الصدر لإقناعه بالتحالف معها مثلا ضد بقية الشيعة فى إيران والعراق، وإنما هذه هى القطرة الأولى من الغيث.
أما من حيث الشمول، فبالإضافة إلى زيارة الصدر، فقد أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها أن أبعاد بشار الأسد من السلطة فى سوريا لم يعد من شروطها أو من مطالبها، واتجهت فى الوقت نفسه ــ كما سبقت الإشارة ــ إلى فتح ثغرة مماثلة فى الجبهة اليمنية، من خلال استئناف الحوار مع على عبدالله صالح، «كمفاتحه«مع الحوثيين، ومن ثم ايران.
النتيجة الأولية والرئيسية للمتغيرات التى حددناها فى سوريا والعراق واليمن (وقطر إلى حد ما) هى انهيار خطة التحالف السنى تحت القيادة السعودية، والرعاية الأمريكية ضد إيران، ذلك التحالف الذى بشرت به قمة ترامب الأمريكية / العربية / الإسلامية، وكانت مصر مرشحة بقوة للانضمام إلى هذا التحالف، أو للتعاون الكامل معه، إن لم تنضم رسميًا إليه، كما كانت إسرائيل بدورها متحمسة له، وجاهزة لتقديم خدماتها.
وبما أن ذلك التحالف السنى مات قبل أن يولد، وخرجت إيران منتصرة على كل الجبهات، بما فى ذلك جبهة الاتفاق النووى مع الدول الكبرى، ولما تمض سوى أشهر معدودات على قمة الرياض إياها، وبما أن التعامل مع «الخطر الشيعى أو الإرهاب الإيرانى» الذى كان الموضوع الرئيسى فى خطاب العاهل السعودى الافتتاحى لتلك القمة ــ سيتجه إلى طريق الحوار السلمى، فقد انتفت الحاجة إلى دور استراتيجى مصرى فى ذلك الإطار، الذى لم يوجد إلا فى الخيال، وهذه الحاجة التى انتفت للدور المصرى ضد إيران لم تكن حاجة سعودية وخليجية فقط، ولكنها كانت أيضًا حاجة أمريكية، ومن هنا يسهل فهم عدم استخدام الرئيس ترامب الفيتو الرئاسى لوقف قرار الكونجرس بخفض المعونة الأمريكية لمصر، ولو إعمالًا «للكيمياء» بينه وبين الرئيس المصرى، إذ ماذا تمثل قضية المعونة من أهمية له، ما دامت خطته الكبرى لصنع تحالف من شركاء قمة مايو فى الرياض الذين بلغ عددهم خمسًا وخمسين دولة ــ تلتحق بهم إسرائيل ــ قد غاصت فى الرمال المتحركة للشرق الأوسط.
لكن هذا مجرد فصل واحد فى قصة التزامن بين المتغيرات المتسارعة فى الإقليم، وبين خفض المعونة الأمريكية لمصر، إذ هناك الفصل الأهم، وعنوانه «ماذا بعد هزيمة داعش».
فى يوم 25 نوفمبر الماضى كتبنا فى «الشروق» تحت عنوان: «اليوم التالى لانتصار ترامب على الارهاب (الاسلامى)»:
«أن الحمقى فقط هم من يتوقعون أن يكرر ترامب خطأ سلفه الأبعد رونالد ريجان فى أفغانستان بعد انسحاب السوفيت منها، أو خطأ سلفه الأقرب بوش الابن فى العراق، وعليه فالمنطقى بل والحتمى (بعد الانتصار على داعش) بدء عملية سياسية فى كل من العراق وسوريا، تضمن عدم تجدد الأسباب التى كان من نتائجها ظهور طالبان والقاعدة فى أفغانستان، وداعش فى العراق، وسوريا، ومن الطبيعى أن يعمم ذلك النموذج على الحالات المماثلة، أى فى ليبيا واليمن، وأفغانستان والصومال.. الخ».
ثم أشرنا فى ذلك المقال إلى أن شروط نجاح هذه العملية هى التوافق على نبذ العنف، وعدم الإقصاء، فإذا كان مطلوبًا دفع «المتطرفين» إلى الاعتدال شرطًا لقبولهم فى الحياة السياسية لبلدانهم، فالمطلوب فى المقابل هو دفع القوى الحاكمة لإنهاء الممارسات الاحتكارية للسلطة والثروة.
نعلم ــ بالطبع ــ أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على أن تقود مثل تلك العملية بمفردها، كما حاولت فى أفغانستان، فهنا الآن روسيا وإيران، ولكن يبقى لواشنطن دورها الحاسم، خاصة من حيث تأثيرها الأقوى من غيرها على حلفائها، وأهمهم مصر والسعودية.
نعلم كذلك أن مثل هذا الحل السياسى القائم على نبذ العنف والاقصاء فى آن واحد هو الأكثر قبولا لروسيا ولإيران، وللاتحاد الأوروبى، ولا ينقصه للنجاح سوى أن تضع الولايات المتحدة ثقلها وراءه.
الآن يبدو أن الإدارة الأمريكية تسير فى هذا الاتجاه، سواء كان الذى حدث هو إقناع ترامب، أو إجباره على إدراك حقائق الواقع، ولذا فبدلا من أن يفى بوعوده، أو وعود أركان حملته الانتخابية بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، إذا به يصدق على قرار الكونجرس بمعاقبة مصر بخفض المعونة بسبب «سجلها غير المقبول فى مجال انتهاك حقوق الإنسان، وزيادة القمع الذى يولد الإرهاب»، وإذا بوزير خارجيته يقر فى شهادته للكونجرس بكل ذلك، وإذا بمعلقين جمهوريين بارزين ينضمون إلى الخبراء والمعلقين الديمقراطيين فى وصفهم لمصر بأنها أصبحت سجنًا بلا أسوار تحت الحكم الحالى، كما نشرت مجلة فوربس أخيرًا لأحد رجالات إدارة الرئيس الجمهورى الأسبق رونالد ريجان، والمعنى هو أن على النظام المصرى الحالى إلا يضع نفسه عقبة أمام هذه السياسات الجديدة، ليس فى مصر وحدها، ولكن فى كل الإقليم.
بالإضافة إلى كل ذلك هناك مؤشر على بدء الترويج لهذه الطريقة «الجديدة» فى التفكير الأمريكى إقليميا، وفى أوساط سعودية مقربة من واشنطن، وجاء التعبير الأوضح على لسان الكاتب السياسى السعودى المطلع «جمال خاشقجى» المقيم حاليا فى الولايات المتحدة الذى كتب يقول، بعد فترة صمت طويلة: «إنه كان ينبغى على السعودية احتضان ثورات الربيع العربى».
لأنها كانت تسعى إلى إصلاح لا يضير السعودية، بل يفيدها، السؤال الذى نختتم به: هل ما كان ينبغى فى الماضى يمكن أن ينبغى، أو ينبغى بعضه على الأقل فى المستقبل؟
سؤالنا هذا موجه إلى الجميع، تنشيطا للتفكير وتحذيرًا للمستخفين بالمتغيرات التى رصدناها فى بداية المقال، ونتائجها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved