الانتخابات فى الصعيد.. الآمال والتحديات والفرص

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 8 نوفمبر 2011 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

أكتب من قلب الصعيد ـ من قرية الدوير بمركز صدفا ــ حيث بدأت المعركة الانتخابية ولم تصل لذروتها بعد. الآمال المعقودة على هذه الانتخابات كبيرة. فالناس تتمنى أن تعيش تجربة انتخابات نزيهة وخالية من التزوير بغض النظر عمن يفوز بها، والبحث مستمر عن النائب البرلمانى الذى لا يعتمد على الخدمات الشخصية ولا يبحث عن جنى ثروة من منصبه، وهناك فضول لمعرفة من الذى ستكون له الغلبة من الأحزاب السياسية، والرغبة العارمة فى المشاركة سوف تدفع الناخبين للتصويت بأعداد غير مسبوقة. والأهم من ذلك أن هناك اتفاقا عام بين الناس على أن هذه الانتخابات ــ بكل ما فيها من عيوب قانونية وتنظيمية ــ قد تكون الوسيلة الوحيدة للخروج من مرحلة انتقالية تسير من سيئ إلى أسوأ، أمنيا واقتصاديا وسياسيا، ومن هنا الشعور بأن الانتخابات المقبلة تمثل فرصة للانتقال إلى مرحلة تالية تكون فيها الحكومة ممثلة للشعب، ولتشكيل مجلس نيابى منتخب يسترد صلاحية التشريع ويستعيد دوره فى الرقابة على الأداء الحكومى الذى غاب لسنوات طويلة. ومع ذلك فالانتخابات تنعقد فى ظل أجواء صعبة: قانون معيب فرضته الحكومة والمجلس العسكرى علينا، ووضع أمنى لا يتلاءم مطلقا مع مقتضيات انتخابات آمنة، وبوادر العودة للرشوة الانتخابية فى الصراع على المقاعد الفردية، ووعد من الحكومة بإصدار قانون للعزل السياسى لم يتم تنفيذه ويثير الغموض على الرغم من أن الانتخابات على الأبواب، ووضع اقتصادى يتدهور يوما بعد يوم ويدفع الناس لقبول أنصاف الحلول ولتمنى أن يعود الاستقرار بأى ثمن.

 

أما فى الصعيد فالانتخابات لها طابع خاص. هناك إصرار حقيقى على المشاركة بقوة وعلى اختيار من يعملون على إنهاء التجاهل والإهمال الحكومى لمشكلات ومتطلبات الصعيد ويتمسكون بنصيبه العادل من الدخل القومى ومن الخدمات ومن الإنفاق العام. والذين فاتتهم المشاركة فى الثورة وفى الميادين مصرون على أن يكون لهم صوت وتواجد مسموع من خلال صناديق الاقتراع. لذلك فما إن بدأ التنافس الانتخابى حتى امتلأت الساحات والشوارع ومداخل القرى باللافتات، وانتشرت الدعوات للمؤتمرات الجماهيرية، وبدأت الزيارات وتوزيع المطبوعات بداية حامية. ولأن الصعايدة معروفون بالعملية الشديدة التى تفرضها صعوبة الحياة وندرة الموارد، فإن الحوار الانتخابى يتجاوز بسرعة الحديث فى المسائل النظرية لكى يتوجه إلى احتياجات الناس خاصة فيما يتعلق بالبطالة والتعليم والصحة والمواصلات وتوفير المواد التموينية والزراعية. أما الحديث عن هوية الدولة وعن الشريعة الإسلامية وعن طبيعة الدستور القادم فلا خلاف كبير عليه لأن الناس عندها الثقة الكافية فى هويتها وفى عقيدتها لا يجعلها تنساق وراء الاستقطاب الحادث فى وسائل الإعلام.

 

وأما الدور الذى تلعبه العائلات فهو معروف وخطير. الصعيد يتكون من عائلات، بعضها كبير وبعضها صغير، بعضها ثرى والآخر فقير، ولكن كل شخص ينتمى لعائلة ولقرية ولعصبية. والعرف السائد لدى المثقفين هو اعتبار العائلات والعصبيات شر مستطير ودليل على تخلف المجتمع. ولكن الواقع أن هذه رؤية شديد القصور وتغفل الجوانب الإيجابية والضرورية فى استمرار تماسك العائلات. فما يحفظ قدرا من الأمن فى الصعيد برغم انتشار السلاح هو وجود العائلات، وما يمنع الفتنة الطائفية من الانتشار هو الترابط بينها، وما يمنح المعدمين الحد الأدنى من العون والمساعدة هو معرفة الناس ببعضهم البعض، وما يجعلهم يحترمون بعضا هو شعورهم بأن لكل إنسان أصلا ومكانا فى المجتمع أيا كانت ثروته وقوته. العائلات فى مجتمع أهملته الدولة لعقود طويلة هى صمام الأمان، ولو كان المجتمع يوفر للمواطن فى الصعيد الحماية والأمن والضمان الاجتماعى وفرص العمل لربما كان الوضع اختلف. أما وأن الدولة تكاد لا تقدم أى شىء فإن البنية الاجتماعية التقليدية هى التى تحفظ الصعيد.

 

ومع ذلك يخطئ من يتصور أن العائلات والعصبيات فى الصعيد هى الأساس الوحيد للمجتمع الصعيدى المعاصر، لأن هناك بنية جديدة تشكلت عبر سنوات من التعليم المجانى ومن الانتشار الإعلامى ومن الجهود التى بذلها رواد التعليم والثقافة والتنوير فى مصر. اليوم صار المجتمع، حتى فى أصغر قرية، يتضمن طبقة من المثقفين على رأسهم المعلمون والمحامون والأطباء وموظفو الحكومة، ويعبرون عن تطلعات طبقة متوسطة لها طموحات وآمال مختلفة عن تلك التى تعبر عنها العائلات التقليدية. هذه طبقة لا تريد الاكتفاء بتوفير السولار والسماد، وإنما ترى أن الصعيد من حقه أيضا أن يجد الاهتمام فى التعليم والثقافة وأن تتاح له فرص الاستثمار فى مصانع ومشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، وأن يجد شعراؤه وكتابه ومعلموه التشجيع من الدولة. ثم إن هناك تغيرا يحدث عبر الأجيال من خلال مئات الآلاف من الشبان والشابات الذين يحترمون عائلاتهم وكبار السن فيها، ولكن يرغبون فى أن يكون لهم دور مستقل وفعال فى مصر التى يعاد تشكيلها من جديد، وأن تكون لهم مشاركة أكبر فى العمل السياسى ومجال لطرح رؤى وأفكار جديدة ومختلفة. كذلك فالمرأة فى الصعيد أصبحت قادرة على المشاركة فى العمل السياسى والاجتماعى من خلال الجمعيات والأنشطة الأهلية، والعمل الحكومى والخاص، والعمل فى مجال التعليم، والاستفادة بما تتيحه شبكات التواصل الاجتماعى من معرفة واتصال.

 

شخصيا أعتقد أن الصعيد سوف يقدم نموذجا فى المنافسة الشريفة فى الانتخابات القادمة لأن طبيعة المجتمع الصعيدى تجبر الناس على أن تعرف بعضها البعض، وتعمل حسابا للآخرين، وعلاقات المصاهرة والمعرفة والمشاركة فى الزراعة والجيرة فى العمل تجعل من الصعب عليهم تجاهل كل هذا والاندفاع وراء الانحيازات الحزبية وحدها. والقول الذى أسمعه يتردد كثيرا أن الانتخابات سوف تنتهى بعد ثلاثة أسابيع، أما المجتمع فباق والعلاقات التى تكونت على مدى مئات السنوات لن تنفصم.

 

التحديات مع ذلك كبيرة، توفير الحد الأدنى من الأمان لعملية الاقتراع مطلب من كل المتنافسين، ومقاومة الرشوة الانتخابية فى مجتمع محدود الموارد ليست مسألة سهلة، وهناك حاجة ماسة للتوعية بكيفية التصويت فى ظل قانون يعجز الخبراء عن فهمه، واقتناع الناس بالحاجة للتخلى عن نواب البرلمان الذين يعتمدون على الخدمات الشخصية لايزال فى مرحلة مبكرة. التحديات كبيرة والآمال واسعة والمعركة الانتخابية بدأت وسوف تزداد حماسة وسخونة مع الوقت، ولكن علينا الوقوف جميعا وراء نجاحها وأمنها ونزاهتها وارتفاع الإقبال عليها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved