فشل ممنهج

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الجمعة 7 نوفمبر 2014 - 8:05 ص بتوقيت القاهرة

كم مرة نردد ــ حتى حفظها صغارنا ــ تصدر مصر قائمة أعلى نسبة لحوادث الطرق فى العالم؟ كم مرة استيقظنا على فاجعة تشابه حادث احتراق حافلة البحيرة؟ كم مرة رددنا نفس التعليقات الساخطة وكم مرة تلقينا نفس الردود الباهتة؟.. ثم كم مرة عشنا فى أجواء الكارثة ــ حكومة وشعبا ثم خفت الاهتمام حتى تلاشى فى خضم مشاكلنا اليومية إلى أن توقظنا فاجعة أخرى؟

(ترتيب الأولويات) بالنسبة إلينا شىء لا نفهمه، لا نجيد الانتظام وفق قواعده، هو بالنسبة إلى أغلبنا ضرب من ضروب السحر أو الكهانة.. (الإجراء الوقائى) أشبه بالأعمال السفلية التى نخشى على إيماننا أن يخدش لو تلبسنا بالتخطيط فى ضوئها.. النتيجة، أننا لا نكتفى بعشرة آلاف حادث ومئات القتلى والمصابين سنويا كى نبدأ التفكير فى (قوانين المرور) أو (إصلاح الطرق) أو (توفير نقاط إسعاف) على جانبى الطرق الممتدة بين المدن، بل كنا نحتاج إلى احتراق جثث أبنائنا حتى التفحم كى نؤكد بكل حسم أننا بحاجة إلى قوانين مرور جديدة!

تريد أن تختبر هذا بنفسك؟ حسنا رغم أن الأمر قاس لكنه يستحق التجربة.. ما أخبار (مزلقانات) السكك الحديدية؟ ترى هل تصمد أبنية المدارس أمام هزات أرضية ــ لا قدر الله ــ ؟ وقس على ذلك عشرات الأسئلة المبنية على قاعدة واحدة بسيطة.. سبق لكارثة أن وقعت بسبب نفس الإهمال واتحاد نفس الشروط ومازلنا نواجهها كل مرة بنفس الذهول ثم التبرير، والمتفرجون إما مزايدون أو زاعقون بغير معنى.. وزاد عليهم هذه المرة الشامتون المتجردون من أبسط خصال الفطرة الإنسانية!

هذا هو ما يطلق عليه وصف (الفشل الممنهج).. فشل فى (نظام الإدارة).. فشل فى (إدارة الأولويات).. فشل تتناقله الحكومات وتتربى عليه أجيال الإداريين لا يغير من حقيقته شكل الانتماء ولا مقدار الجهد ولا نظافة اليد.

وللمرة الثالثة خلال فترة عام ونصف العام أجدنى مضطرا إلى نسخ كلام سابق كتبته بالنص عقب حادث أسيوط الأول، ثم الثانى، وههنا أذيل به أيضا بعد حادث البحيرة (... درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإيقاف النزيف يسبق عمليات التجميل، لذا فالمفروض منطقيا أن تسارع هذه الحكومة فيما تبقى لها من عمر هى ومن سيأتى بعدها إلى ترتيب أولويات التدخل السريع جنبا إلى جنب مع التحرك الاستراتيجى، فلا يغنى أحدهما عن الآخر.

نحتاج إلى رسم «خريطة أزمات» تفصيلية توضح أشد البؤر التهابا وخطورة من ناحية تعلقها المباشر بحياة المواطنين (وسائل نقل متهالكة، طرق نقل عفا عليها الدهر، بنايات آيلة للسقوط.. إلخ) ومن ثم تبدأ فى إصلاحها حتى لا نفاجأ كل صباح بكارثة جديدة.

أتكلم عن الانتقال من سياسة اطفاء الحرائق ــ وحتى هذه لا تجيدها الحكومة للأسف الشديد ــ إلى سياسة استشعار الخطر وتوجيه الضربات الاستباقية والوقائية إلى أوكار الإهمال والفساد والبيروقراطية).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved