بمناسبة عيد الميلاد.. أسباب للتفاؤل وتحديات تواجهنا

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 8 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

احتفال المسيحيين هذا العام بعيد الميلاد يأتى فى ظروف غير عادية، فهو الاحتفال الأول بعد وفاة الأنبا شنودة الثالث فى العام الماضى وتولى الأنبا تواضروس الثانى محله بطريركا للكنيسة القبطية منذ بضعة أسابيع فقط، كما أنه يأتى فى ظل توتر وانقسام فى البلد نتيجة للصراع السياسى وللأزمة الاقتصادية، وفى ظل احتقان طائفى خاصة بعد انتشار فتوى صادرة من إحدى الجمعيات الشرعية بتحريم تهنئة المسيحيين فى أعيادهم.

 

مع ذلك، وبرغم هذه الظروف «غير الاحتفالية» إلا أنه يظل هناك ما يدعو للتفاؤل.

 

أول ما يدعو للتفاؤل هو أن الكنيسة والأقباط لهم أن يفخروا بعملية انتقال رئاسة الكنيسة من البطريرك الراحل إلى خليفته والتى جاءت فى أعقاب مرحلة انتقالية امتدت ستة أشهر وكانت بمثابة المرحلة الانتقالية الوحيدة الناجحة التى عرفتها مصر خلال العامين الماضيين. وهنا يلزم التذكير بأن بطل هذه المرحلة الانتقالية كان بلا منازع الأنبا باخوميوس الذى تولى رئاسة الكنيسة للفترة البينية وأشرف على اختيار البطريرك الجديد، ثم قام بتسليمه جميع مقاليد السلطة فى احتفال مهيب أعلن فى نهايته أنه بذلك يكون قد أنهى مهمته ويعود خادما للكنيسة لا رئيسا لها، وملقنا بهذه الكلمات البسيطة درسا عميقا لكل من شغلهم الصراع على السلطة خلال العامين الماضيين. وقد فكرت يومها فيما جعل الأنبا باخوميوس ينجح فى مرحلته الانتقالية بينما فشل الآخرون، فبدا لى أن وراء ذلك اقتناعه وإصراره منذ البداية على أن الهدف الرئيسى من إدارة الانتقال هو تسليم رئاسة الكنيسة بسلام وتوافق لا التصدى لحل مشكلات الدنيا والدين، وأنه قد حدد لذلك مسارا واضح المعالم وجدولا زمنيا صارما، وأنه كان صادقا منذ البداية فى عدم المنافسة على المنصب مهما كانت الضغوط عليه للعدول عن رأيه، وأن مسار اختيار البطريرك الجديد قد مر فى مراحل عديدة شارك فيها ممثلو الطائفة فجاء الاختيار فى النهاية معبرا عن إجماع واسع. هذا الانتقال السلس والهادئ للسلطة أمر يجب أن يفخر به الأقباط ومعهم المصريون جميعا، وأن يذكروا الفضل فيه لهذا الرجل الفريد من نوعه، الأنبا باخوميوس، ويقتدوا بنجاحه فى تقديم مصلحة المؤسسة والوطن على كل اعتبار آخر.

 

الأمر الثانى الذى يبعث على التفاؤل أن تغيرا كبيرا قد طرأ على الساحة السياسية فى مصر خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو أنه لم تعد هناك قضايا عامة يمكن القول أنها تخص المسيحيين وحدهم أو تمسهم بقدر أكبر من أشقائهم المسلمين. والفضل فى ذلك يرجع إلى معركة الدستور التى ــ وإن كانت قد انتهت بتمرير دستور هزيل وباطل ــ إلا أن أحد مكاسبها الإيجابية أنها أعادت تشكيل الخريطة السياسية فى مصر، ودفعت المجتمع أخيرا للخروج من ثنائية واستقطاب الدينى/المدنى التى عشنا معها عاما ونصف ودفعنا ثمنها باهظا، وانتقلت بنا إلى مستوى جديد من الوعى السياسى اصطفت فيه الجماهير وفقا لثنائية جديدة بين الحرية والديمقراطية من جانب والاستبداد من جانب آخر. وهكذا كانت حركة الاحتجاج على الدستور وعلى تحصين قرارات الرئيس جامعة لجماهير واسعة، فيها المسلمون والمسيحيون، وفيها التيارات اليسارية والقومية والليبرالية، وفيها محترفو السياسة وفيها أعضاء حزب الكنبة، وفيها الكنائس المصرية وفيها الأحزاب الاسلامية المعارضة وعلى رأسها حزب مصر القوية بقيادة د. عبد المنعم ابو الفتوح وحزب مصر بقيادة الداعية عمرو خالد، وغيرهم. هذا الاصطفاف الجديد يعبر عن نمو فى الوعى السياسى أتصور أنه سوف يستمر وسوف يحدد مواقف الناس من القضايا الاقتصادية والاجتماعية وفقا لمصالحها الحقيقية وليس من منظور الانقسام الطائفى كما كان الحال من قبل.

 

أما ثالث أسباب التفاؤل فهو رد فعل المجتمع المصرى فى الأيام الاخيرة من فتوى تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وحماس الجمهور الواسع من مسلمى هذا البلد لرفضها رفضا قاطعا ليس من باب المجاملة المعتادة وإنما تعبيرا عن الاعتراض على هذا التحريض الطائفى السافر، وعن مسئوليتهم تجاه الوطن ووحدته، وعن رفضهم أن ينسب للدين الإسلامى مثل هذا الشطط وهذه الكراهية. وهنا أيضا وجدنا أنفسنا أمام موقف يتجاوز الخطوط السياسية المعتادة التى عشنا معها الفترة الماضية، اذ شارك فى التهنئة وفى التاكيد عليها علنا كل قوى المجتمع ما عدا أصحاب هذه الدعوة القبيحة، وتصدر المهنئين كالعادة فضيلة شيخ الأزهر معبرا عن ثبات الأزهر الشريف على موقفه، ولكنه هذه المرة لم يكن وحده بل شاركه فى التهنئة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وجماعة الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحزب الوسط وغيرهما من الأحزاب الإسلامية، معبرين بذلك عن اعترافهم بوجود خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ولا الاختلاف عليها مهما كانت الخصومة السياسية والصراع على السلطة وعلى الحكم. رب ضارة نافعة، فما قصدت الفتوى أن تحققه من شق المجتمع وتعميق الطائفية فيه تحول إلى مناسبة رمزية للتأكيد على وحدته.

 

هناك إذن ما يدعو للتفاؤل فى احتفالات عيد الميلاد هذا العام، ولكن هناك أيضا تحديات جسام. فالفتنة الطائفية لا تزال راقدة تحت السطح وهناك من يسعون لتأجيجها واستغلالها وقت اللزوم، وتبادل التهنئة فى العيد له قيمة رمزية ولكنه لا يعنى أن الوئام قد ساد، والناس اعتادت العيش فى مسارات منفصلة تبعدهم عن بعض وتزيد الغربة فيما بينهم، والوضع الاقتصادى يدفع لمزيد من التوتر، وتجاهل النظام الحاكم لمشاعر الأقلية يعمق من الشعور بالتفرقة والتمييز، وغياب التمثيل المسيحى المناسب من البرلمان ومن الجمعية التأسيسية ومن الحكومة ومن دوائر صنع القرار كلها يضيف إلى الشعور بأن هناك من يدفعهم لموقع ثانوى فى المجتمع.

 

ولكن مع ذلك فإن ما شهدناه فى الأيام الماضية من ضم للصفوف وتمسك بالوحدة الوطنية يجب أن يمنحنا بعض الأمل والتفاؤل، كما يجب أن نعتبره فرصة لكى نستعيد الكثير مما فقدناه خلال العام ونصف الماضيين من ترابط وتآخى ومودة بين الطوائف عرفتها مصر لفترة وجيزة فى أعقاب الثورة، ثم ما لبثت هذه الروح أن تراجعت تحت وطأة الصراع على السلطة. قضية المساواة بين المواطنين واحترام حقوق الأقلية يجب أن تظل محورية، ليس فى الدستور وحده وإنما فى القوانين التى يجرى تشريعها، وفى القرارات الحكومية، وفى الخطاب الإعلامى، وفى سلوكنا اليومى.

 

لنتذكر أن مصر لا تنهض وتتقدم إلا بتعددها وووحدتها وبالترابط بين طوائفها، وكل عام ومصر كلها بخير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved