عرب القرن الحادى والعشرين!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 8 يناير 2019 - 11:40 م بتوقيت القاهرة

قبل قرن وأكثر قليلا، وفى ظل الحرب العالمية الاولى أعلن الشريف حسين، أمير الحجاز، بتواطؤ مع بريطانيا العظمى آنذاك، «الثورة العربية الكبرى» ضد الاحتلال العثمانى، مناديا بالوحدة العربية.. بينما العالم يحترق بنيران الحرب الكونية.
لم يكن ذلك الإعلان إلا صرخة فى الهواء، دغدغت أحلام العرب المبعثرين فوق أرضهم الواسعة، بلا دول، بل فى ولايات عثمانية يحكمها باشوات من ضباط السلطان، هم بطبيعة الحال «أغراب» و«فاسدون» تحركهم الرشوة والتشدد فى اضطهاد «الرعايا العرب» لكى يحظوا بتقدير «الباب العالى» ونيل مناصب أعلى.
اليوم، وبعد قرن ونيف من إطلاق تلك الصرخة، نجد العرب أشتاتا يتوزعون على دول متهالكة، أو هى أشباه دول، بغض النظر عن فقرها أو امتلاكها ثروات ليست لها وليست فى يدها.
أعداد «الدول العربية» تزيد على العشرين، لكنها تابعة أو مرتهنة فى قرارها للأجنبى، ومعظمها تحت احتلال فعلى تمثله قواعد عسكرية للأمريكيين والبريطانيين والأتراك والفرنسيين، فضلا عن «القاعدة ــ الأم ــ إسرائيل» التى تختصر الجميع وتستحضر الجميع، باعتبارها محصلة توافق ( بل تواطؤ) دولى على العرب، بعنوان فلسطين، حيث أقيمت «الدولة الأقوى من جميعهم» إسرائيل» لتفصل بين المشرق والمغرب، ولتمنع الوحدة أو الاتحاد أو حتى التضامن بين شعوب الأمة الواحدة.
أُسقط «الوطن» وحل محله «الكيان» الذى أسبغت عليه «قداسة» و«حصانة» ليست إلا «حماية أجنبية» صارمة التهمت أحلام الوحدة والاتحاد، وباتت «الكيانية» بين شروط الحرية والاستقلال ومجافاة الأخ الشقيق والاستقواء بالخارج ولو إسرائيليا على «الأشقاء».
ها هو حلم الوطن العربى يتمزق اليوم فى كيانات متخاصمة، وأحيانا مقتتلة، تائهة عن مصيرها، تكاد تفقد هويتها، تتسابق إلى مصالحة العدو، وتترك ثرواتها منهبة للأقوى من دول الاستعمار، جديده الأمريكى، أو قديمه البريطانى والفرنسى.. إلخ، بينما عدوها الإسرائيلى يبنى إمبراطوريته فى «الشرق الأوسط الجديد» فتسعى إلى مصالحته بشروطه!
الوطن العربى مِزق.. المشرق منه غير المغرب، فإسرائيل حاجز مانع للاتصال فكيف بالوحدة؟
والدول العربية، سواء تلك التى كياناتها شرعية أو مستولدة قيصريا، تتسابق إلى الصلح مع العدو الإسرائيلى، وتقتتل فى ما بينها، وتتنافس على التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية مستعطية الحماية والإنقاذ الاقتصادى ولو باسترهان استقلالها وإنكار عروبتها، أو طمس هويتها الجامعة..
فى غياب الوحدة أو الاتحاد أو الحرص على المصالح المشتركة ها هى تركيا «تستعيد» بعض أمجاد «السلطنة»، فيحتل جيشها مناطق فى العراق وأخرى فى سوريا، وينشئ قاعدة فى قطر شريكة للولايات المتحدة الأمريكية أحيانا، وللاتحاد الروسى أحيانا أخرى.
وها هو مجلس التعاون الخليجى يتفكك، فتخرج عليه قطر، ولا تدخله سلطنة عمان تماما بل تبقى على بابه.
*****
لقد عجز الاستعمار القديم عن تدمير مستقبل هذه الأمة المجيدة، لكن أنظمة الانفصال والفرقة والنفوذ الأجنبى وجيوش المرتزقة تنجز الآن ما عجزت عنه دول الاستعمار، قديمه والجديد.
تصوروا أن دويلة قطر قد تمكنت، ذات غفلة عربية، من طرد سوريا من جامعة الدول العربية (مع أنها دولة مؤسسة لها..).
.. وإن نقاشا بين الحكومات العربية يجرى الآن حول دعوة سوريا إلى القمة الاقتصادية المقرر انعقادها فى بيروت خلال أيام، والتى سيكون موضوعها – الأساس: إعادة إعمار سوريا.
ــ3ــ
فأما العراق الذى مزَقه الاحتلال الأمريكى بذريعة تخليصه من صدام حسين فيعجز عن تشكيل حكومته الجديدة، بعد تدمير وحدة شعبه، فضلا عن عمرانه وأسباب حياته.
وأما سوريا فقد استنزفتها الحرب العربية – الدولية ــ الاهلية المستمرة منذ ثمانى سنوات.
.. وأما لبنان فإن الطبقة السياسية فيه، وهى فاسدة مفسدة، تعجز منذ نحو ثمانية أشهر عن تشكيل حكومة جديدة فيه، بينما أزماته الاقتصادية والاجتماعية تحاصر شعبه بالضائقة المعيشية فيهاجر شبابه إلى أى مكان فى هذا العالم يقبلهم كقوة منتجة لغير شعبها فى وطنها.
*****
ليس فى الوطن العربى جميعا دولة واحدة مستقلة استقلالا كاملا ناجزا وإرادتها حرة..
إن غالبية العرب مرتهنون للاحتلال الإسرائيلى والهيمنة الأمريكية وطغيان أنظمة السوء التى تحكمهم: يرفعون أعلام بلادهم خفاقة، بينما إرادتهم مكبلة بقيود المصالح الأجنبية والمحتكرين فى الداخل، وأنظمة السوء التى تحكمهم.
إن طيران العدو الإسرائيلى لا يكاد يغادر الفضاء اللبنانى.. ثم إنه يواصل غاراته على المواقع السورية، فى الجبهة، وصولا إلى ضواحى دمشق، وثمة قوات أمريكية فى شرقى سوريا، إضافة إلى القوات الأمريكية التى ما زالت فى العراق منذ أن احتلته فى العام 2003..
كذلك فثمة قوات أمريكية فى السعودية والإمارات (ومعها قوات فرنسية) وفى قطر (ومعها قوات تركية!)
إن صورة الأوضاع العربية قاتمة، فى هذه اللحظة: الإرادة مغلولة بالوجود الأجنبى وفشل «الحكم الوطنى» والنهب المنظم للثروة الوطنية.
إن نخبة أجيالنا الجديدة تذهب ولا تعود، فتربحها البلاد الأجنبية، ولا نجد من يعوضنا عنها، أقله فى المدى المنظور.
ــ4ــ
لكننا لن نيأس، ولن نهاجر، لن نترك أوطاننا للأجنبى، ولن نمكن الاحتلال الإسرائيلى من اغتيال غدنا.
لقد كنا «خير أمة أخرجت للناس».. وبإمكاننا أن نعود إلى موقعنا على خريطة الدنيا وإلى موقعنا الذى نستحق بقوة تاريخنا وزخم أجيالنا الآتية.
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
وكل عام وأنتم بخير..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved