صعوبة التكهن بالرئيس

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 8 مايو 2012 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

بعد الذى حدث من مفاجآت عديدة فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أنصح نفسى وكل الصحفيين والكتاب وأولئك الذين يطلقون على أنفسهم محللين ومفكرين وخبراء استراتيجيين أن يتحلوا بالتواضع قليلا ويتوقفوا عن الافتاء والادعاء أنهم يعلمون بواطن الأمور ومن بينها توقعاتهم بمن سيكون رئيس الجمهورية المقبل، وعوضا عن ذلك عليهم أن يحاولوا قراءة المشهد قراءة متعمقة ومتأنية فربما أفادوا أنفسهم وأفادوا القراء وساعدوا المواطنين على الاختيار الحر والوعى.

 

ومثلما أن كل المصريين يعتبرون أنفسهم خبراء فى كرة القدم، فهم يعتبرون أنفسهم أفضل محللين سياسيين، المواطن البسيط معذور إذا فعل ذلك، لكن ما هو عذر المحلل السياسى الذى يفترض أن يقدم تحليلا صادقا مستندا إلى أرقام ومعلومات.

 

فى مثل هذه الأيام نفتقد بشدة مراكز أبحاث ومعلومات واستطلاعات رأى جادة تعمل على أسس علمية حقيقية.

 

المناخ الذى صنعه النظام السابق كان قاتلا لأى أبحاث جادة ولذلك رأينا استطلاعات «مضروبة كثيرة»، ولايزال البعض يمارسها حتى هذه اللحظة لغرض فى نفس يعقوب.

 

فى البلدان الديمقراطية هناك مراكز أبحاث مرموقة تستطيع أن تقدم قراءات شبه نهائية، وقلما تخطئ، مثلما فعلت فى حالة ساركوزى وأولاند، وعلينا أن نتذكر كيف أن بعض مراكز الاستطلاعات فى البلدان الغربية كانت تتحدث عن فوارق تقل عن 1٪، بل إن لدى الكيان المسخ الموجود فى فلسطين المحتلة استطلاعات رأى تنبأت بأن نتنياهو سيفوز على بيريز فى انتخابات 1996 الشهيرة، بفارق يقل عن 1٪.

 

بالطبع المشكلة التى تواجه مصر ليست فقط غياب المراكز الجادة، بل غياب الوعى السياسى.

 

لا توجد لدينا أحزاب راسخة ولديها أنصار حقيقيون إلا قليلا، ومن يكابر فى ذلك عليه أن يتذكر أن «كل أحزابنا» لم تجد كوادر للترشح فبحثت عن الفلول ووضعتهم على قوائمها.

 

نحن شعب لايزال معظمه يركز على الأسماء والأشخاص وليس المبادئ والبرامج، وسندفع ثمنا باهظا جراء غياب الوعى السياسى.

 

ولأننا كذلك فإنه يصعب قياس اتجاهات الرأى العام، ولأن الخريطة السياسية فى مصر تشبه الرمال المتحركة فإن الأمر يزداد صعوبة على أى محلل جاد.

 

اتجاهات الرأى العام تتغير كل ساعة بناء على آخر خبر سمعه معظم المواطنين أو آخر موقف تأثروا به.

 

باستثناء الأعضاء العاملين فى جماعة الإخوان المسلمين والحركة السلفية وبعض ذوى المواقف الواضحة فى التيار الليبرالى فإن بقية الشعب بلا مواقف مسبقة فى معظم القضايا الرئيسية.

 

خطورة هذا الوضع لا تعنى فقط أننا قد نشهد مفاجآت، بل ــ وهذا هو الأهم ــ أن هناك من يستطيع التأثير فى أهم منصب فى مصر وهو رئيس الجمهورية.

 

تصوروا مثلا مرشح استطاع تنظيم حملة دعائية جيدة تتكلف الملايين ثم استطاع بوسائل ملتوية توزيع ملايين أخرى، مع مجموعة من الوعود البراقة التى لن تصمد لأسابيع بعد انتخابه. ألا يستطيع مثل هذا المرشح أن يؤثر فى كثيرين؟!.

 

على ما تبقى من مراكزنا البحثية الجادة أن تبذل جهدا حقيقيا وتنزل الشارع من الآن وحتى إجراء الانتخابات وتجرى استطلاعات رأى عام فعلية يمكن التحقق منها.

 

إذا حدث ذلك فربما يمكننا وقتها التكهن ــ ولو من بعيد ــ بمن يستطيع الفوز بمنصب الرئيس، لكن إذا استمر الوضع الراهن فسوف نستمر غارقون فى بحور الأوهام، مثل بعض النقاد الرياضيين الذين لا يريدون تصور أن بعض البلدان الأفريقية الحديثة تستطيع الفوز علينا كرويا، ورغم أن ذلك صار يحدث كثيرا فهم لا يريدون تغيير قناعاتهم القديمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved