التحديات الثقيلة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 8 يونيو 2015 - 10:15 ص بتوقيت القاهرة

وهو يبدأ عامه الثانى فى رئاسة الدولة، يجد نفسه أمام تحديات ثقيلة لم يسبق أن اعترضت أحدا قبله.

لا توجد إجابات سهلة تفتح صفحة جديدة دفع المصريون أثمانها الباهظة دون أن يحصدوا ما تمنوا.

هذا يستدعى الحوار بجدية والمصارحة بعمق حتى ندرك أين مواضع الأقدام وكيف يكون التقدم بأمان.

من الثغرات الرئيسية فى عامه الأول أن المشروعات سبقت السياسات.

لم يكن هناك دليل عمل يلهم الإرادة العامة ولا بوصلة سياسية تقود الخطى وتضبط الأداء.

تهميش السياسة، رفع سقف التساؤلات القلقة رغم أية جهود مضنية بذلت.

يعتقد أن التحديات الاقتصادية تسبق أية تحديات أخرى وأن الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» سقط لأسباب اقتصادية قبل أية أسباب سياسية.

غير أنه لا يوجد اقتصاد معلق فى الهواء منعزلا عما يجرى فى مجتمعه من صراعات.

الانحيازات الاجتماعية خيارات سياسية.

ليست هناك إجابة تعلن بوضوح فلسفة الحكم الاجتماعية.

هذا تحد لا يمكن تجنبه فى عامه الثانى.

رغم الجهود الهائلة التى بذلت فى مشروعات مثل قناة السويس وشق طرق جديدة وإنشاء مطارات حديثة إلا أنها لم تلهم بالقدر الكافى أية طاقة أمل كبيرة.

المشكلة ليست فى الإعلام بقدر ما هى فى السياق.

فى الولع بالمشروعات الكبرى نزعة مؤكدة للبناء غابت عنها أية رؤية اقتصادية شبه متماسكة للأولويات.

توجه الرئيس لإنشاء وزارة جديدة للمشروعات المتوسطة والصغيرة يؤشر على ضرورة إعادة النظر فى السياسات الحالية.

المهمة ليست هينة فى ظل هيمنة القوى المتنفذة التى تنتسب إلى الماضى على صناعة القرار الاقتصادى.

فى مؤتمر «شرم الشيخ» تبنت الدولة كل ما طلبه المستثمرون، وبالغت فى استجابتها إلى درجة التدليل، بينما مالت تصريحات أغلب مسئوليها إلى التقليل من تبعات رفع الدعم عن السلع الأساسية إلى حدود الاستهتار.

القضية ليست فى تخفيف فاتورة الدعم بقدر ما هى فى عدالة توزيع الأعباء.

أخطر ما جرى أن التشريعات الاقتصادية اخترقت النصوص الدستورية باسم دعم الاستثمار وخفضت الضرائب على رجال الأعمال الكبار دون أن تنظر بذات نسبة الرعاية إلى الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا.

أجلت الحكومة ضريبة الأرباح الرأسمالية فى البورصة لعامين دون أن تفكر فى تأجيل مماثل لرفع أسعار الكهرباء.

من يدفع فواتير الإصلاح الاقتصادى فى هذا البلد؟

إنه السؤال الأصعب فى عام ثان من تجربة الحكم.
بصراحة كاملة عودة السياسات الاقتصادية القديمة التى أفضت إلى ثورة «يناير» مشروع اضطراب لا تحتمله مصر المنهكة التى تبحث بصعوبة بالغة عن أرض صلبة تقف عليها.

التطبيع مع الماضى يضفى شرعية على جماعة الإخوان المسلمين لا تستحقها.

على رأس تحدياته الثقيلة أن يقرأ نبض الشارع بلا حواجز ويدرك أن شرعيته فى سد الطرق أمام أى تقدم جديد للماضى.

حسم الخيارات الاقتصادية والسياسية مسألة رؤية وتصورات تستدعى حوارا معمقا تشارك فيه الخبرات الوطنية من جميع التوجهات يحمل عنوان: «مؤتمر العدالة الاجتماعية».

كلمة السر فى قبول المصرى العادى لأية تضحية محتملة أن يتشارك الجميع فى تحمل الأعباء وألا تذهب الجوائز كما جرت العادة إلى الحيتان الكبيرة.

بنص الدستور من حق كل مصرى نصيب عادل فى الثروة الوطنية.

الكلام فى العدل لا الإحسان.. فى السياسة لا النوايا.

مصر تحتاج أن تجيب على هذا السؤال: كيف ينتعش الاقتصاد ويتحرك الاستثمار وفق قواعد الشفافية والنزاهة دون أن يتحمل المصريون العاديون وحدهم فواتير أية إصلاحات جراحية؟
السؤال نفسه يطرح ملف الفساد على الطاولة.

وهذا تحد رئيسى آخر، فالملفات متخمة لدى الأجهزة الرقابية دون أن تخضع لتحقيق أمام النيابة العامة.

لا يمكن أن يتأسس نظام جديد على فساد يرى أن مؤسسته أقوى من مؤسسة الرئاسة ويتصور أن بوسعه تطويع القرار الاقتصادى لمقتضى مصالحه.

لا يكفى أن يكون الرئيس نزيها حتى تستقيم الأمور.

من واجبه أن يفتح ملفات نهب المقدرات العامة ويضرب مواطن الفساد وإلا فلا أمل.

فى ملفات الفساد هناك حديث رئاسى متواتر عن فساد جهاز الدولة.

وهذا تحد صعب آخر.
ما نحتاجه أن تكون هناك خطة عمل معلنة لإصلاح بنية الدولة المخربة بالتصورات والرؤى قبل السياسات والإجراءات.

بالقدر نفسه هناك ملفات أخرى غير قابلة للتأجيل.

لا توجد عصا سحرية لإصلاح الجهاز الأمنى بين يوم وليلة.

كل ما هو مطلوب أن ندرك حجم المشكلة وتداعياتها الخطيرة وأن تكون هناك خطة معلنة يشارك فى وضع خطوطها العريضة المجلس القومى لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى وأساتذة قانون وعلماء سياسة بجوار خبراء الأمن.

لن تكون هناك استراتيجية متماسكة فى محاربة الإرهاب ما لم يصلح الجهاز الأمنى حتى تتسق سلوكياته مع تضحياته.

ليس مطلوبا من الرئيس غير إعلاء دولة القانون وإبعاد شبح دولة الأمن.

أن تكون هناك قواعد تمنع تغول الأمن على الحياة العامة، أو أن يتدخل فيما لا يصح التدخل فيه، ترمم أية فجوات بين القوى التى شاركت فى ثورتين وتردم أية مخاوف على طبيعة الدولة.

هذا تحد جوهرى ومدخل ضرورى لاستعادة ثقة الأجيال الجديدة.

ولا توجد عصا سحرية أخرى تعيد الثقة فى الجهاز القضائى إلى مستوى يليق بتاريخه التليد.

كل ما هو مطلوب أن نعترف بشجاعة أن هناك مشكلة تستدعى حوارا جادا وفق القيم الدستورية بين القضاة الأجلاء فى مؤتمر جديد للعدالة برعاية الرئيس كما جرت العادة فى مثل هذه المؤتمرات.

المهم أن تكون هناك قواعد تضمن العدالة واستقلال القضاء وإبعاده عن أفخاخ التسيس ووقف أية احتقانات داخلية.

القضاء أعز على مصر من أن تترك سمعته تتآكل والثقة العامة فيه تتراجع.

ملفات الإصلاح الممكن والمستحق مسألة تصورات وخيارات سوف يأخذ تنفيذها وقتا طويلا نسبيا غير أنه من الضرورى أن نبدأ أو أن نرى شيئا أمامنا يتحرك.

الحركة بذاتها مسألة شرعية دستورية تعيد الثقة فى المؤسسات العامة وأننا على بداية طريق طويل فى نهايته انتقال إلى عصر جديد يليق بمصر وتضحياتها فى ثورتين.

هذا كله كلام فى السياسة.
المعضلة الكبرى فى السنة الأولى أن مؤسسات الدولة لم تستكمل ولا الاستحقاق الثالث فى خريطة المستقبل جرى ولا النظام الجديد أعلن عن نفسه، خياراته ورجاله.

غياب البرلمان شرخ فى الشرعية الدستورية والفراغ السياسى سحب على المكشوف من كل رصيد.

كل شىء يبدأ وينتهى بالسياسة.
هناك أزمة حقيقية فى تراجع كل ما هو سياسى وتهميش كل ما هو حزبى.

المجال العام ضاق والإعلام دخل حالة انكشاف إنكارها تجهيل بأسبابها.

حتى نتدارك أوجه القصور الفادحة وتأخذ المشروعات هيبة الإنجاز نحتاج أن تكون قنوات الحوار مفتوحة على تصور بناء جديد يؤسس للاصطفاف الوطنى على أساس حق الاختلاف والتنوع الطبيعى، على قاعدة الاقتناع لا الخوف.

المهام ثقيلة حقا لكنها تستدعى الارتفاع إلى مستوى تحدياتها.

الأحرار هم من يتحملون مسئولية المستقبل والمنافقون أول من يقفزون من السفينة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved