سماجة

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: الثلاثاء 8 يوليه 2014 - 5:45 ص بتوقيت القاهرة

مصر بلد كبير، راسخ، يتلألأ بالنجوم فى المجالات كافة، ضياؤه يجذب مواهب العالم العربى، يلمعون فى سمائه، ويزيدون ألفة، يأخذون ويعطون. لكن البعض، غالبا عن جهل وغرور وضيق أفق، يتصرفون على نحو شديد التدنى، يبدو فيه الوطن صغيرا، هزيلا، يفتقر الثقة فى الذات.. هذا الكلام بمناسبة تلك الموجة القاتمة، المندفعة من نفوس مريضة، أعيتها الكراهية، تحاول، عبثا، العصف بشخصيات أثبتت جدارتها بالنجاح الذى تحققه، على الشاشتين: الصغيرة والكبيرة.. وهى، على سبيل المثال لا الحصر: ليليان داود، هند صبرى، جمال سليمان.

ليليان داود، مذيعة متمكنة، محددة الأسلوب، متخصصة فى البرامج الحوارية، تطرح قضايا على درجة كبيرة من الأهمية، لا تقاطع ضيوفها، ولا تضع الكلام فى أفواههم، ولا يتوه منها الخط الأساسى للمناقشة. ثقافتها عريضة، ذكية، بسيطة فى مكياجها وملابسها، دمثة الألفاظ، تسيطر على انفعالاتها، سريعة الإيقاع، تختار موضوعاتها بعناية، تهم المجتمع المصرى، تختار ألفاظها بعناية، لا تتصادم ولا تجرح من تختلف معه.. إنها لون لبنانى متأنق، امتزج بدفء الطابع المصرى، وبالتالى، تعد مكسبا لإعلامنا.. مع هذا، وجدت من يهاجمها بلا سبب أو منطق، فإلى جانب الملحن العجيب الذى لا يتوقف عن مطالبة رئيس الوزراء بترحيلها، ثمة صاحب قناة فضائية، تظاهر، على الهواء، أنه لا يتذكر اسمها، وأخذ يسأل المصور ومعد البرنامج عن المذيعة ذات الأنف الطويل، وبطريقة مفتعلة، يزعم أنه لا يسمع بوضوح، فيقول «إيه.. بليان.. بلبان..».. ويواصل، شأنه شأن الملحن.

هند صبرى، الوافدة من تونس، دخلت فى نسيج السينما المصرية. جواز سفرها يتمثل فى موهبتها وجديتها، فهى ذات وجه شفاف، يعبر عن أدق الأحاسيس، تنتقل بملامحه من انفعال لآخر، بصدق وتكثيف، عيناها تنطق بما يجول فى وجدانها.. فى القاهرة، تقدمت من نجاح لنجاح. جسدت، بمهارة، جوانب من عناء وطموح البنت المصرية، العربية. إنها، من أسباب تفوق «مواطن ومخبر وحرامى» لداود عبدالسيد 2001، و«ملك وكتابة» لكاملة أبوذكرى 2002، و«بنات وسط البلد» لمحمد خان 2004.. منذ سنوات قليلة حققت نجاحا كبيرا بمسلسلها الساخر، المتميز «عايزة أتجوز» الذى أخرجه رامى إمام، ويعاد عرضه فى الكثير من القنوات.. فى هذا العام، تنهض ببطولة مسلسل «إمبراطورية مين» الذى كتبته مؤلفة «عايزة أتجوز»، غادة عبدالعال، بتوقيع المخرجة مريم أبوعوف، يدور حول أسرة تعود إلى مصر عقب الثورة، ويرصد، بعيون نقدية، بعض المظاهر السلبية ــ وما أكثرها ــ لكن البعض، ممن تنقصهم شجاعة الاعتراف بالواقع، رأى أن المسلسل يتجنى على الوطن، وأن المسئول عن هذا الإجحاف هو هند صبرى، وكأنها هى المؤلفة والمخرجة والمصورة والمنتيرة، ولأن المقدمات الخاطئة تؤدى إلى خلل النتائج، اندفع «البعضشى» فى تجريح نجمتنا، وبلغ به خطل الرعونة إلى المطالبة بإعادة هند صبرى، الحاصلة على الجنسية المصرية، إلى تونس.. مطلب سخيف وسمج، لا يتأتى إلا من نفوس مريضة وقلوب معتمة.

طبعا، من حق الجميع نقد المسلسل، ورفضه إن شئت.. لكن الملاحظة المزعجة، التى تنبئ بانتشار نزعة التعصب المقيتة، تمتد من حالة لحالة، وتستهدف فنانا تلو الآخر، وها هى السهام الكريهة تنطلق تجاه النجم السورى، جمال سليمان، حيث من الممكن أن يتفهم المرء عدم اقتناع البعض بطريقة أدائه لشخصية جمال عبدالناصر، بل من حق المشاهد أن يرفض «صديق العمر» جملة وتفصيلا، لكن حين يقال إنه لا يليق بممثل سورى القيام بدور زعيم مصرى، فإن الجهل المركب يكمن فى هذا القول، فأولا، جمال عبدالناصر، لفترة ما، شغل منصب رئيس الجمهورية العربية المتحدة «مصر وسوريا»، أى أن الفنان السورى يجسد شخصية «رئيسه».. ثانيا، وهو الأهم، ليس هناك ما يمنع قيام فنان بأداء دور قائد أو زعيم من جنسية أخرى، ولعلنا نتذكر براعة الفنان البريطانى بن كنغسلى فى تقمصه للزعيم الهندى، غاندى، على نحو أتاح له الفوز بجائزة الأوسكار.. ولا يمكن نسيان أداء أنطونى كوين الخلاب لشخصية المناضل العظيم عمر المختار.. ليليان داود، هند صبرى، جمال سليمان، وغيرهم، مصابيح مضيئة فى سماء الفن المصرى.. لا يليق بأحد أن يحطمها، أو يطلق سخائمه عليها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved