ما بقى من أحكام إعدام الإخوان

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 8 أغسطس 2017 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

بعد فض أجهزة الأمن لاعتصام رابعة العدوية فى 14 أغسطس عام 2013، عاث انصار جماعة الإخوان قتلا وحرقا وتدميرا ضد منشآت الدولة خصوصا محطات ومحولات الكهرباء، ومراكز وأقسام الشرطة والكنائس خصوصا فى محافظات الصعيد.
بعد هذا الموجة الارهابية أصدرت محاكم الجنايات أحكام إعدام بالجملة على المتهمين، كان أبرزها حكمان، فى مطاى والعدوة، الاول يقضى بإعدام ٤٩٢ متهما، والثانى بإعدام ٦٨٣ متهما.
سيسأل سائل وما الذى ذكرك بهذا الأحكام؟
الإجابة هى أن محكمة جنايات المنيا حكمت يوم أمس الاول الإثنين حكما بتخفيف أحكام الإعدام إلى ١٢ حكم اعدام فقط وبراءة كثيرين فى قضية اقتحام مركز شرطة مطاى وقتل نائب المأمور العقيد مصطفى العطار، وحتى هذا الحكم ليس باتا. 
أحكام الاعدام التى صدرت بالآلاف خصوصا عام 2014، وبعد سنوات من الأحكام غير النهائية بالجنايات والنقض وإعادة المحاكمة ثم النقض، لم يتم تأييد إلا أقل من عشرة فقط. 
أكتب هذا الكلام اليوم لأذكر الجميع بالثمن الفادح الذى دفعته مصر حكومة وشعبا وقضاء فى الخارج بسبب هذه الأحكام، الأمر الذى أعطى جماعة الإخوان المبرر لتشويه صورة القضاء المصرى.
ما ذكرنى أكثر أننى وبعد هذه الأحكام بأيام قليلة سافرت برفقة الدبلوماسى الكبير وزير الخارجية السابق السفير نبيل فهمى إلى إيطاليا وهولندا وألمانيا.
الوزير وكبار مرافقيه فوجئوا بأن هذا الموضوع، احتل الجانب الأكبر من المباحثات مع مسئولى هذه الدول. مبعث المفاجأة أن الشغل الشاغل للوزير وقتها كان الخروج من دائرة الحصار الدولى التى كانت مفروضة على مصر بعد طرد الإخوان من الحكم.
وما أذكره أن الوزير فهمى بذل جهدا كبيرا لازالة آثار هذه القضية قبل وخلال وبعد هذه الجولة، التى تزامنت معها ايضا قضية الصحفيين الأجانب بقناة الجزيرة، الذين تم القبض عليهم فيما عرف بقضية الماريوت.
فى كل عاصمة أوروبية زرناها، كان السؤال الأول الموجه للوزير: كيف تحكمون بإعدام نحو ٧٠٠ شخص مرة واحدة ومن أول جلسة؟!
اليوم، معظم أحكام الإعدام تم نقضها تقريبا. لكن الذى بقى هو أن أحكاما صدرت بإعدام المئات من أول جلسة.
تعودت ألا أعلق بالمرة على أحكام القضاء، سواء كانت حكما بإعدام أو جنحة سرقة فرخة!. ليس هذا دورى، لكن اليوم أتحدث فقط عن الآثار والأثمان الفادحة التى يمكن أن تنتج عن حكم قضائى يصدر بحسن نية حتى لو لم يتم تنفيذه.
بلدان كثيرة لا تعرف تفاصيل النظام القضائى المصرى، وأن كل أحكام الإعدام يتم نقضها سواء كانت ضد رئيس سابق أو «حرامى غسيل»، وفى معظم الأحوال يتم تخفيفها فى إعادة المحاكمة. بالطبع لا نستطيع أن نقنع العالم، بأن يتفهم أوضاعنا القضائية، كما لا يمكن تصور أن تقنع شخصا أو دولة أو رأيا عاما مختلفا فى كل بلدان العالم بإعدام ٦٨٣ شخصا من أول جلسة، ومن دون أن توفر لهم جميع الضمانات القضائية.
الآن فإن غالبية أحكام الاعدام التى صدرت بعد خلع الإخوان من الحكم، تم نقضها عبر النظام القضائى المصرى نفسه. وعلى حد علمى لم ينفذ حكم اعدام واحد على قادة وأنصار الإخوان. لكن ما بقى هو الأثر السلبى الذى علق والتصق بجزء من قضائنا، وهذا هو الأمر الذى يحتاج جهدا كبيرا لتصويبه والالتفات اليه مستقبلا.
أكتب هذا الكلام انطلاقا من خوفى على القضاة وصورتهم وضرورة أن يظل القضاء شامخا يلوذ به ويطمئن اليه الجميع.
هناك البعض الذى هال التراب على هذا القضاء، حينما أصدر أحكام الإعدام بالجملة، لكنه صمت تماما حينما نقض هذا القضاء نفسه الأحكام ذاتها.
إضافة إلى أحكام كثيرة ظن البعض أنها صدرت لدوافع سياسية، ثم جرى نقضها لاحقا، وهو ما ينسف هذه الحجة من أساسها أو معظمها على الاقل.
لا يصح ان نعجب ونهلل لحكم يتوافق مع اهوائنا، ثم نلعن هذا القضاء اذا اصدر حكما لا يرضينا!!
قضاؤنا مثل سائر المرافق طاله ما طال المجتمع من عواصف وغبار وأتربة وشوائب. نسأل الله أن يعود بأسرع ما يمكن كما كان.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved