كتل النار المتدحرجة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 8 سبتمبر 2014 - 7:45 ص بتوقيت القاهرة

السؤال بدا استطلاعيا والإجابة كانت قاطعة.

لم تكن الإدارة الأمريكية ولا المنظمة الدولية على استعداد للاستماع لأية اقتراحات تضيف بندا جديدا على جدول أعمال اجتماع استثنائى منتظر لقادة دول مجلس الأمن ينظر فى إجراءات الحرب على «داعش».

باعتذار دبلوماسى تلقت الجامعة العربية إجابة مقتضبة على سؤالها ما إن كان ممكنا إضافة القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال، فالقمة مخصصة لبند واحد.

الأفق السياسى فى حالة تأهب يسابق الزمن والحركة تأخذ مسارها فى بناء تحالف دولى عربى للحرب على «داعش».

اجتماع مجلس الأمن على مستوى قادة الدول برئاسة «باراك أوباما» خطوة لها ما بعدها فى إعلان الحرب.

هذه من المرات النادرة التى يلتئم فيها مجلس الأمن على مستوى القمة.

من وجهة نظر الذين طرحوا السؤال فإن القضية الفلسطينية وما تتعرض له من تنكيل منهجى وجرائم ضد الإنسانية وراء تفشى الشعور العام فى المنطقة بعدم العدالة الدولية وازدواجية المعايير بما يوفر بيئة حاضنة للعنف تتسبب فيها السياسات الإسرائيلية غير أن الذين يعدون لقمة مجلس الأمن لم يكونوا فى وارد الالتفات لمدى توافق هذا الطرح مع كتل النار المتدحرجة من المشرق العربى فى العراق وسوريا إلى مغربه فى ليبيا إلى اليمن بالقرب من منابع النفط فى الخليج؟

تتلخص قمة مجلس الأمن فى «داعش» ولا شىء آخر غيرها.

بصورة أو أخرى فإننا أمام أوضاع جديدة فى المنطقة مرشحة أن تنسخ ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولى التى تلخصها حدود «سايكس بيكو»، لكن هذه المرة فإن الحدود سوف ترسم عشوائيا بقدر ما يصل سلاح «داعش» وتستطيع العصبيات والطوائف والنحل، بـ«البلطة» لا بـ«المسطرة» على ما قال الزعيم اللبنانى «وليد جنبلاط» فى حوار قاهرى.

فى الترتيبات الإقليمية لم يعد مستبعدا تقويض الجامعة العربية بالمدى المنظور فالأسباب التى استدعت تأسيسها تكاد أن تكون اختفت.

فى التوقيت نفسه فإننا أمام أوضاع جديدة فى العالم تنسخ بدورها ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية التى تقوض نظامها الدولى بحسب قراءة وزير الخارجية الأمريكى الأشهر «هنرى كيسنجر».

الفارق فى تداعى النظامين الإقليمى والدولى فارق سرعات، فالإقليمى ابن الحرب العالمية الأولى والدولى ابن الثانية.

الحرب على «داعش» اختبار أخير لمدى قدرة النظامين على مواجهة تحدياته ومخاطره.

ظاهرة «داعش» أكثر تعقيدا من تلخيصها فى سبب واحد، فهناك مشكلة مستعصية فى بنية الأفكار التى تتبناها كأنها سيوف تجز الرءوس.

القدرة على التجنيد المتزايد رغم وحشيتها المفرطة تدل على أنها من طبيعة المجتمعات المأزومة وتاريخها وليست مقحمة عليها.

التنظيم محكوم عليه بالهزيمة لكن أفكاره مرشحة لإنتاج الظاهرة بصور مختلفة.

هنا مسئولية العرب لا الغرب والحل هنا لا هناك.

التدخلات العسكرية السابقة أفضت إلى وضع المشرق العربى على فوهة البراكين التى دمرته حممها ومن تحت الأطلال خرجت «داعش» ومثيلاتها.

سعت إدارة الرئيس الأمريكى السابق «جورج بوش» إلى تفكيك الدولة العراقية جيشا وأمنا وجهازا إداريا ووضعتها على مسارات الصراعات المذهبية حتى وصلنا إلى «داعش».

تحت الشعور القاسى بالإقصاء والتهميش والإذلال على أسس مذهبية نمت «داعش» وإن لم تتغير المناخات التى ولدت ظاهرتها فإنها سوف تنتج نفسها مرة بعد أخرى بغض النظر عن أية هزائم متوقعة تلحق بالتنظيم الأكثر وحشية فى التاريخ الحديث كله.

لم تكترث الولايات المتحدة لفترة طويلة نسبيا بالنتائج التى ترتبت على سياساتها العراقية ولا التفتت على نحو جاد للمآسى التى دعت قطاعات واسعة من العراقيين إلى مغادرة موطنهم طلبا للحياة ولا غضبت من حملات التقتيل الجماعى والتهجير القسرى للمسيحيين وطوائف دينية أخرى حتى حاصرت إدارتها مشاهد تذبيح مواطنيها وتوغل «داعش» فى كردستان العراق بالقرب من تمركز قواتها بما يكاد يقلب المعادلات المعتمدة.

تحت الشعور بالخطر الداهم على بنية أمن الدول الغربية الرئيسية والولايات المتحدة من ضمنها بدأت الحركة تتسع باضطراد لمواجهة «داعش» فى العراق وسوريا قبل أن تصل عملياتها إلى لندن وباريس ونيويورك.

من المتوقع أن تسفر العمليات العسكرية المنسقة عن نصر مراوغ، فالظاهرة أقوى من التنظيم والأفكار أمضى من السلاح وبيئة المظالم تزكى الركوض إلى الكتب الصفراء.

العمليات العسكرية ليست سهلة، فالتنظيم يحوز قدرات تسليحية ومالية كبيرة والأخطر أن تمركزه الرئيسى داخل الأراضى السورية، حيث يسيطر على ثلث أراضيها وتجرى حربا إقليمية بالوكالة.

السؤال الأول بعد توقف العمليات: هل هناك فرصة لإعادة بناء الدولة على غير الأسس المذهبية التى دمرتها وإعلاء الهوية الوطنية الجامعة فوق أية هويات أخرى أم أن التخريب المنهجى يصعب تدارك نتائجه الوخيمة؟.. والسؤال الثانى: هل الأراضى العراقية مرشحة للوحدة فى ظل تمدد نفوذ «البشماركة» الكردية على أراض جديدة تحت مظلة الطائرات الأمريكية أم أن سيناريو التقسيم لم يعد ممكنا تجنبه؟

سيل الأسئلة لا يتوقف، فلا نجاح محتملا للعمليات العسكرية فى القضاء على «داعش» بلا تنسيق عسكرى مباشر مع نظام «بشار الأسد»، فمن ناحية واقعية يتقاسم النظام والتنظيم السيطرة على أغلبية الأراضى السورية بينما تراجع على نحو فادح وزن المعارضة المسلحة المدعومة أمريكيا.

تجاهل «الأسد» مشكلة والتنسيق معه مشكلة أخرى.

المعنى أن اللعبة العسكرية ما أن تبدأ فإنها تستدعى تغييرات دارماتيكية فى الخرائط السياسية.

سوريا قد تفتح صفحة جديدة مع الحكومات الغربية بتفاهمات غير معلنة تساعد فى تقويض «داعش».

إيران قد تضع خطوطا حمراء فى الهواء تؤكد نفوذها فى العراق، تمد خيوط التعاون مع الإدارة الأمريكية فى أية ترتيبات قادمة دون أن تضحى بحليفيها الروسى والسورى.

تركيا كطرف مباشر فى الحلف العسكرى تطلب ألا تسفر النتائج السياسية عن أضرار فادحة بأمنها القومى وأن تؤكد حضورها الإقليمى فيما بعد المواجهات.

السعودية مخاوفها تسابق دعواتها لمحاربة الإرهاب ومنازعاتها مع إيران تمتد من سوريا ولبنان إلى اليمن وصداماته المحتملة إلى شواطئ الخليج نفسها.

لبنان يترقب التداعيات على وقع سيناريوهات غير مستبعدة أن تتآكل قاعدة «الحريرى» لصالح تنظيمات العنف والإرهاب فى الوسط السنى بينما الشغور الرئاسى مؤجل لتفاهمات إقليمية ودولية لم تتضح حتى هذه اللحظة.

الأردن ينظر بعين إلى حدوده العراقية وبعين أخرى إلى الضفة الغربية وملكه «عبدالله الثانى» يشارك فى قمة مجلس الأمن دون أن يكون لعالمه العربى رأى واضح فى حدود التدخلات وأهدافها الأخيرة وإسرائيل تتحفز للنتائج.

أما مصر التى تعافت بالكاد فإنها تجد نفسها أمام خيارات صعبة فى مواجهة كتل النار المتدحرجة فى المنطقة، الانكفاء على الداخل وهم والتقدم بلا تصور يضمن أمنها القومى حماقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved