عرفات

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 8 سبتمبر 2016 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

غدا وبعد غد يتهيأ الحجيج لاستئناف «المناسك» والاستعداد ليوم «عرفات». ذلك اليوم الفريد الذى سماه القرآن «يوم الحج الأكبر»، أى يوم «الركن الأساسى» فى فريضة الحج. فالإحرام والتلبية والسعى والطواف والذبح والحلق ورجم الشيطان وتكبير الله إلخ.. كل ذلك من الحج، لكن الوقوف بعرفات يوم عرفات هو يوم الحج الأكبر. والمسلم كما يوقن الجميع لا يعظم أحجارا ولا يقدس أصناما، فما معنى أن يكون «يوم عرفات» هو الحج الأكبر؟ نعم، فذلك هو الركن الجامع الذى يجمع الوافدين جميعا بلا استثناء فى مكان واحد هو جبل عرفات، وفى زمان واحد هو يوم عرفات ليعبدوا إلها واحدت هو رب العالمين جل جلاله، ويتوافقون جميعا فى النداء والدعاء. هنا يتعلم المسلم أساسيات دينه: نتعلم أن جميع الناس سواء مهما اختلفت الألسنة أو الألوان أو الوضع المالى والاجتماعى أو المكانة والمنصب..فكل من أراد إتمام دينه فلا ينس أن التساوى والمساواة مع الجميع وعدم الترفع وعدم الظهور وعدم الاستعلاء، وعدم إعلان التمايزــ كل ذلك هو الأصل والأساس. فيا من ترى لنفسك تميزا على أحد أو فضلا على أحد فأنت لم تتم دينك وربما أنقصته ويخشى أن تكون قد فقدته..


ــ1ــ
وما أن ينتهى الركن الأكبر المعلم والمذكر بوحدانية الله وحده، وأيضا يذكر بمساواة البشر، فما دام الله إلها واحدا فأنا وأنت كل منا عبدلا أكثر.. ولا يحق لعبدأن يترفع على عبدأو يتكبر على عبد، فمن تكبر فقد ادعى الألوهية لنفسه وصار واحدا من حزب فرعون.. ما أن يفرغ العبدمن هذا الركن الأكبر ويقترب من نهاية الحج إلا ويجىء الدرس الثانى: فالمساواة لم تنتهِ بانتهاء عرفات، بل تتجدد فى صورة أخرى فها هو «التكبير»، فالكبير واحد لا شريك له، فأين المسلم من هذا الكبير المتعال؟ إن المسلم عبدكسائر العبيد وسائر العباد.


ــ2ــ
لعلك ترى فى الطواف درسا ثالثا.. فها هو العبدفى البيت المحرم يطوف دون «إمام»!!! فنحن نصلى الجماعة بإمام ونصوم رمضان خلف الإمام (صاحب الرؤية) ، أما الطواف فـ«البيت على يسارك» وأنت عن يمين البيت..هكذا فلا إمام لك إلا البيت!!! أرأيت كيف ترتقى بالحج فها أنت لا قائد ولا رئيس لك فى الأداء، فإياك أن تجعل رياستك ومنصبك ملازما للناس، أو مرهقا لهم، أو مصدر قلق. فالله قد رفع «الإمامة» ساعة الحج ليعلم الجميع أن الدين الحق هو المساواة وعدم التمايز.


ــ3ــ
إن الأيام التالية فى الحج تأكيد لمعنى العبودية والمساواة، حتى «الشعر» إن كان مميزا لك وتعرف به بين الناس فعليك حلقه! أو قصه حتى تتعلم درس المساواة كاملا.


ــ4ــ
أما رجم إبليس فهو شعيرة تؤكد معنى المساواة بطريقة أخرى!! نعم فالجميع الجميع ليس لهم إلا عدوا واحدا هو إبليس.. ألا يعنى ذلك أخوة الجميع ووجوب مساواتهم لبعض ووجوب اهتمام بعضهم ببعض ووجوب عدم إنشاء عداوات مع المسلمين بل مع الناس أجمعين اللهم إلا من يناصبك العداء..


ــ5ــ
فالحج كله خروج من الوطن إلى خروج من الزى الخاص إلى خروج من العلامات المميزة لك، فثياب الحجيج كلهم بيضاء رخيصة غير مخيطة، وكأن الشرع يذكرنا بقاعدة من فهم دينه وأتم شعائره فقد تقارب مع الناس وتساوى معهم وتخلى عن أى تعاظم أو تضخم ذات... إنه موسم تذكير بالمساواة التى يجب أن تسعى إليها طوعا قبل أن تسعى المساواة إليك كرها. نعم ستفرض المساواة علينا فرضا وهم يلبسوننا الأكفان ويضعوننا تحت التراب.. فلنبادر بالمساواة قبل أن تبادرنا هى.


ــ6ــ
التلبية والتكبير هناك، والتكبير والتسبيح هنا..فإذا نزل الحجيج من عرفة فأنت فى عيد..عيد الأضحى..هل ضحيت؟ هل ضحيت بشهواتك؟ هل ذبحت كبرياءك؟ هل تراجعت عن كذبك وسطوتك على الخلائق؟ هلا تراجعت فيما ارتكبته من ظلم وظلمات؟ إذا لم تفعل فاسأل نفسك من تكون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved