أنا مشروع إرهابية

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الجمعة 8 نوفمبر 2013 - 7:00 ص بتوقيت القاهرة

أكتب إليك رسالتى وأنا أشك أنك ستنشرها لأننى لا أنتمى إلى تيارك السياسى وليس لى علاقة بالسياسة سوى أننى نزلت يوم 25 و28 يناير باحثة عن التغيير مثل ملايين المصريين قد تعتبرنى أحد خصومك حيث إن عائلتى تنتمى إلى جماعة الإخوان التى وقفت ضدك فى الانتخابات الماضية وخاضت ضدك حربا بلا هوادة قال فيها بعضهم عنك إنك كافر ومرشح عن الكنيسة وعميل وغيرها من الاتهامات التى رأيتها أثناء المعركة الانتخابية ورغم كل هذا ومشاركتك فى 30 يونيو مازال عندى بقية أمل أن ضميرك لم يمت بعد وأنك ستنشر رسالتى للناس بعد أن رأيتك تستنكر ما حدث من اعتقال لفتيات جامعة الاسكندرية.

•••

أنا طبيبة شابة أنتمى لأسرة إخوانية لكننى ضد أفكار الإخوان وفشلت محاولات أبى وأمى فى إقناعى بأن أكون مثلهم لذا حافظت على استقلاليتى واجتهدت فى دراستى وكنت من أوائل دفعتى ولم أتشدد فى دينى فأنا وسطية على الفطرة تدينى هو تدين العوام، لم أر أننى احتاج إلى وسيط بينى وبين ربى ولم أقتنع أن دينى فى خطر مثلما يقول الإخوان كدافع للانضمام إليهم وتبنى أفكارهم، عانيت كثيرا من أهلى الذين يروننى خارجة عن الدين لأننى أسمع الموسيقى وأذهب للسينما وأرتدى ملابس على الموضة وأحب أن أبدو جميلة فى عيون من حولى دون تفحش.

أسرتى بالكامل كانت من معتصمى رابعة أمى وأبى وشقيقى وأختى الصغيرة، لم أكن متعاطفة مع الرئيس مرسى لأننى لم أنتخبه وفضلت أن أقاطع الجولة الثانية وكنت أرى أن الاخوان قد خطوا نهايتهم بترشحهم للرئاسة وتصدرهم لإدارة البلاد وهم لا يملكون الكفاءة لذلك، لم أشارك فى 30 يونيو لأننى انقطعت عن الاهتمام بالسياسة عقب فوز الاخوان بالرئاسة وأصابنى إحباط شديد من حال مصر حتى إننى ندمت أننى شاركت فى ثورة 25 يناير وأصبحت أبكى حين أتذكر وجوه شهداء الثورة الذين أرى أن دماءهم ذهبت هدرا حتى أننى كنت أقول أعيدوا مبارك للحكم بشرط أن تعيدوا الأرواح الطاهرة التى سالت دماؤها من أجل حلم لم يتحقق بل انقلب إلى الضد.

شاركت فى تكفين جسد أخى الذى لقى ربه أثناء فض الاعتصام ولم يكفنه أبى ولم يصل عليه لأنه كان ومازال معتقلا أما أمى فقد أصيبت فى احدى المظاهرات بمدينتنا حين هاجمها بعض البلطجية الذين نعرفهم منذ أيام الحزب الوطنى أما أختى الصغيرة فقد أصابها انهيار عصبى وهى ابنة العاشرة حين شاء القدر أن ترى بعينيها ما حدث أثناء فض اعتصام رابعة من مشاهد ودماء أفقدتها القدرة على النطق ونحاول علاجها لكن حالتها تسوء يوما بعد يوم.

•••

سيقول من يقرأون مقالك الآن إننى إرهابية بنت إرهابيين وليس لى أن أشتكى لكننى أقول لهم إننى مصرية ولى نفس الحقوق التى يمنحها الوطن لأبنائه، أنا راضية ومحتسبة لما حدث لأسرتى وأرى أنهم قد اختاروا طريقهم وساروا فيه وهذه تبعات طريقهم لكننى لا أستطيع أن أتحمل مشهد ابنة خالتى الطالبة بالسنوات الأولى بالجامعة وقد تم اعتقالها وحجزها مع فتيات الليل وتجار المخدرات ثم قرروا حبسها فى سجن بعيد عن مدينتها وهناك أحاديث هامسة خجولة ينفيها البعض ويؤكدها البعض تتحدث عن اختبارات للحمل وكشوف للعذرية قد تم اجراؤها عليها وعلى رفيقاتها من زهور مصر وطالباتها، ابنة خالتى لم تحمل حجرا ولم تهاجم أحدا وقفت على رصيف الكورنيش تعبر عن وجهة نظرها ولكنها لم تسرق ولم تعتد ولم تتجاوز القانون كما يدعون.

هذه ابنة خالتى أما جارى وهو شاب جامعى ناشط فى العمل الخيرى فلم ينتم لأى جماعة ولا حزب فقد تم اعتقاله عشوائيا وظل معتقلا لمدة أسبوع خرج بعدها منكسرا لا يريد الحديث مع أحد وعرفت من شقيقته أنه تعرض لتعذيب رهيب وتهديدات باعتداء جنسى ليعترف بأشياء لم يفعلها وليبلغ عن أشخاص لم يعرفهم.

ابنة خالتى وجارى وشقيق صديقتى الذى مات مخنوقا بالغاز فى مجزرة أبوزعبل كلها وجوه تطالعنى كل مساء وتمنع عنى النوم وتخلق بداخلى رغبة متصاعدة فى الانتقام لأننى فقدت الأمل فى أن تتحقق العدالة، لكننى أسأل نفسى ممن سأنتقم؟ هل أتحول إلى ارهابية تفجر نفسها فى الناس، هل أقتل أبناء وطنى ومن من المفترض أنهم يحموننى؟ لم أعد أرسم فى أوراقى قلبا وزهورا بل أكتشف فى نهاية الخطوط أننى رسمت سكينا أو حزاما ناسفا أو مسدسا، إننى أشعر بالقهر الشديد الذى يجعلنى أكفر بكل ما آمنت به طيلة حياتى، رائحة أخى الصغير تملأ حجرتى وأتشممها واتذكره وهو يشاكسنى ويضحك معى، أفتقده وأفتقد أبى وأنظر إلى أمى التى صارت قعيدة بإصابتها وأختى الصغيرة الصامتة المذهولة المرعوبة دوما من أى شىء حولها.

•••

قاطعت السياسة لكنها لم تقاطعنى ابتعدت عن الإخوان لكن دفعت ثمن رحلتهم فى السياسة فى أسرتى التى تمزقت، صدقنى أنا الآن ضد الجميع وأكره الجميع وأشعر بالرغبة فى الانتقام وأنا المسالمة الطيبة، لم يعد لى رغبة فى الحياة، كلكم عندى مجرمون تنوعت جرائمكم سواء من يهللون لما يحدث ومن صمتوا لا أستثنى منكم أحدا.

لا تتعجبوا يوما اذا اكتشفتم أن هناك ارهابية فجرت نفسها فيكم فقد تكون أنا ولا تلومونى حينها بل لوموا أنفسكم أنتم من صنعتم الارهاب ولابد أن تتذوقوه مثلما تذوقته.

أنا مشروع إرهابية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved