أردوغان... ماذا تبقى مما بناه؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 8 نوفمبر 2016 - 11:30 م بتوقيت القاهرة

هل بقى شىءٌ واحدٌ مما بناه وأنجزه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان منذ كان رئيسا للوزراء قبل خمسة عشر عاما؟

فى العام 2003، كان أردوغان يقدم نموذجا واعدا لما سمى بـ«الإسلام المعتدل»، واهتم الأمريكيون بالترويج لتجربته السياسية التى نجحت فى تحقيق معدل نمو اقتصادى مرتفع، وإشاعة الأمن والاستقرار، والانفتاح على مكونات الشعب التركى، خصوصا الأكراد، فضلا عن تدشين سياسة «صفر مشاكل»، التى حظِيت بمباركة جميع الأطراف، محليا ودوليا.

هذه السياسة، تصفير المشكلات مع كل دول الجوار، انقلبت رأسا على عقب، بعد تدخلاته العميقة فى أحداث الربيع العربى، وأشهرها مصر، قبل وبعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، إلى جانب ليبيا. على أن أخطرها تدخله الشامل فى الشأن السورى، حيث أصبحت بلاده ممرا لتسعين فى المئة من التنظيمات الإرهابية التى تم تجنيد أعضائها من اثنين وتسعين بلدا عبر العالم، وإقحام عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب فى الحرب الداخلية بين السوريين. (تقرير ألمانى يقول بوصول 360 ألف أجنبى منذ أبريل 2011 مقابل الجيش السورى البالغ تعداده 450 ألفا).

نهاية العام 2012، تنبه الأمريكيون قبل غيرهم، إلى الخطأ الكبير بدعم التنظيمات الإرهابية، فأعادوا برمجة اندفاعتهم فى الشأن السورى، خوفا من ارتداداتها المرتقبة. ولم يتنبه الأوروبيون للخطأ الاستراتيجى إلا بعد أن وقع الفأس فى الرأس، خصوصا فرنسا، أكثر الدول تشددا وتورطا فى سوريا، وأكثرها معاناة من الارتدادات العكسية لذلك، حيث حظيت بالنصيب الأكبر من التفجيرات والعمليات الإرهابية التى تعرضت لها القارة الأوروبية.

مع مطلع العام الحالى، كان أردوغان اللاعب الوحيد والأكثر عنادا فى الشأن السورى، واصطدم بسياسات الدول الأخرى، خصوصا جارته الكبرى روسيا، ودخل معها فى لعبة مواجهة خطيرة، حين أُسقطت طائرة روسية. كما اصطدمت أجندته بأجندة حليفته الكبرى، الولايات المتحدة، بشأن فرض منطقة حظر جوى، وإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية، وهو ما لم يقبله الاتحاد الأوروبى أيضا. وهكذا نحا أردوغان باتجاه سياسةٍ أحاديةٍ تزداد انعزالية مع الأيام، ولم يبق له حليف أو صديق يثق به، حتى الأمريكيين. وبلغ ذلك الذروة مع الانقلاب العسكرى ضده فى 15 يوليو الماضى، واتهم فيه مباشرة الأمريكيين، بإيوائهم ودعمهم غريمه فتح الله كولن، معلمه السابق، الذى يرفضون تسليمه حتى الآن.

***

اليوم، يزداد أردوغان غرقا فى سياسته، التى تحولت إلى عدوانية فى نظر الكثير من الشعوب والحكومات فى المنطقة، وأسوأها ما يقوم به فى العراق. فهى تقدم حالة نموذجية من التخبط والانفعالية، والبعد عن الأصول الدبلوماسية المفترض اتباعها بين الدول والحكومات.

العراق تعرض إلى مؤامرةٍ كبرى لإسقاطه وتقسيم أراضيه، وتداخلت أجندات إقليمية ودولية لتحقيق هذا الهدف، حيث استيقظ فى 11 يونيو 2014، على احتلال تنظيم «داعش» ثلث مساحته. ولم يوقف هذه المؤامرة إلا النفير العام، الذى نجح فى صد الغزاة، وإسقاط المؤامرة، بعدما كان المسرح معدا لاستقبال دولة انفصالية جديدة، باسم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، ونُحت لها اسم مختصر باللغة الانجليزية (ISIS)، مازالت بعض القنوات «العالمية» تصر على استعماله بحبٍ وإخلاصٍ حتى الآن!

العراق ظل يتحضر منذ عامين لساعة الحقيقة، وبدأ منذ أشهرٍ يعد العدة لتحرير ما تبقى من أراضيه المحتلة، وتخليص شعبه من قبضة أشرس تنظيم إرهابى ابتلى به شعب بالمنطقة، وسط تفهم دولى شامل، إلا من تركيا، التى تمسكت بموقف شاذ، بإصرارها على المشاركة قسرا فى معركة تحرير الموصل، رغم كل الرفض الرسمى والشعبى فى العراق.
أردوغان الذى انقلب على سياسته المتزنة الأولى، وهدم بيديه كل ما أنجزه وبناه، نجح أخيرا فى توحيد العراقيين، الذين لا يتفقون على موضوع واحد، ضده بالإجماع.

الوسط ــ البحرين
قاسم حسين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved