ليلى بنت الفقراء.. لن تتكرر

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:26 ص بتوقيت القاهرة

«أفضل أن تنزل دموع بكائى وأنا فى سيارة BMW على أن تنزل دموع سعادتى وأنا فوق دراجة»

تألمت لما آلت إليه العلاقات العاطفية فى الصين حين قرأت هذه العبارة التى عبرت فيها فتاة صينية عن رأيها فى الحب والزواج. وبالقدر نفسه ينتابنى الشعور بالألم لحال العلاقات العاطفية فى مصر كلما سمعت عبارات شبيهة بتلك العبارة تصدر عن فتيات مصريات فى سن الزواج.

فى الحالتين، فى الصين كما فى مصر، يمر المجتمع بمرحلة تهيمن فيها سلوكيات المجتمع الاستهلاكى، وتبرز مجموعة من القيم لم تكن مقبولة ولا معتادة فى مراحل ما قبل الانتقال إلى الانفتاح الاستفزازى.

يشعر البعض منا بالاغتراب حين يرى غالبية الناس، ولا أقول الشباب، تستهين بقيم جمالية أو أخلاقية أو عاطفية متذرعة بحجج ضيق الوقت والطموح إلى الثراء والتماهى مع الآخر وضغوط العولمة وغيرها من الحجج. ولكننا نستغرب ويجب أن نستغرب ما نراه من سلوكيات تقدس المادة وتتعالى على مشاعر التعاطف والتودد، وتسخر من الزهد والزاهدين ومن خصوبة الخيال وأحلام العاطفيين. نستغرب ولكن يجب ألا نغترب فننعزل أو ننطوى.

كوننا عشنا فى سياقات أخرى لا يعطينا الحق فى أن نفرض قيم تلك السياقات لأنها من وجهة نظرنا كانت أفضل، أو أن نعتقد أن هؤلاء الذين يتمسكون بقيم تعلى من عادات الاستهلاك وغيرها من القيم التى تقدس المادة لن يفلحوا ولن ينعموا بالسعادة. دعونا نقنع أنفسنا حتى لا نعيش فى الوهم بأن القيم التى أضفت على سلوكياتنا فى مرحلة أو أخرى من مراحل حياتنا مسحة راقية لا يمكن أن تتكرر. فالقيم جزء من ثقافة عامة تنشأ من اختلاط نمط اقتصادى بآخر اجتماعى بثالث سياسى فى سياق وطنى ودولى معين. ومن المحال العودة إلى نمط بعينه معزولا عن بقية أنماط السياق مكتملة.

أتصور أحيانا أن كاتبا للسيناريو لن يجرؤ فى يومنا هذا على كتابة بعض العبارات، التى كانت تتردد فى روايات السينما المصرية على لسان ليلى مراد تعرب عن استعدادها العيش مع حبيب روحها فى «عشة» فى أحضان الريف. لن تفهم فتاة عصر الاستهلاك معنى هذه العبارة ولن تحب أن ينطق بها أمامها رجل تفكر فى أن تتزوجه. رحت أسأل وجاءت صياغات شتى للرأى التالى «لو قيلت هذه العبارة على لسان شاب فى مجتمع تتحكم فى سلوكيات أفراده الرغبة المحمومة لتجميع الثروة وزيادة المقتنيات لكانت سببا كافيا ودافعا مقبولا للفتاة، التى يسعى للزواج منها كى تنهى علاقتها به».

فى برنامج متخصص فى تعريف الشابات بالشبان، وهو أحد البرامج التليفزيونية، التى انتشرت فى أنحاء العالم ليقوم بدور الخاطبة فى مجتمعات انفرطت فيها شبكات العلاقات الأسرية وعلاقات الجوار، تقول إحدى الفتيات عن علاقة الحب بالزواج إنهما لا يجتمعان، ويستمران إلا فى شقة. «أجيبونى من فضلكم أين يعيش الحب.. إذا لم تكن هناك شقة». قالت فتاة أخرى موجهة رسالة إلى الشبان الراغبين فى الزواج «إذا أردت أن تحب أو يقع أحد فى حبك فعليك أولا أن تصبح ثريا أو على الأقل «تعتذر».

بدا لى من متابعة هذا النوع من البرامج أن دولا متعددة، منها الصين، تستخدمها وتمول بعضها بهدف تشجيع الشباب على الحب والزواج. ولم تكن حكومة الصين لتقدم على تنفيذ مشروع كهذا فى ظل الانفتاح الاقتصادى لو لم تكن شعرت وتأكدت أن الحب كقيمة إنسانية يذوى، وكأداة للتكافل الاجتماعى يفقد أهميته، وكهدف فى حد ذاته انحسر لتحل محله اهتمامات مادية ونفعية. ولا شك أن أى مسئول قائم على شئون مجتمع، بافتراض أنه أمين عليه وصاحب رؤية مستقبلية، يعرف أنه حيث يشتد الجفاف العاطفى فى أجواء الشباب يزداد الميل إلى العنف والتشدد والفساد والتطرف الدينى والسياسى.

أعرف بالمعايشة والمشاهدة أن زعيمين على الأقل تنبها إلى أهمية تشجيع الشباب ليتعارفوا ويتحابوا، وهما ماو تسى تونج والحبيب بورقيبة. الأول شجعهم بشرط ألا يتلامسوا قبل الزواج والثانى شجعهم ولم يضع شروطا من أى نوع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved