المجتمع أصدر حكمه

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 8 ديسمبر 2011 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

لا أخفى شعورا بالارتياح إزاء سقوط ممثل الدعوة السلفية فى الإسكندرية، المهندس عبدالمنعم الشحات فى انتخابات الإعادة، وأعتبر ذلك السقوط رسالة وجهها المجتمع إليه، ينبغى أن يقرأها جيدا هو وأمثاله من غلاة السلفيين الذين لم يكفوا عن تخويف الناس بالإساءة إلى الدين والدنيا. حتى إننى قلت حين سمعت بالنتيجة إن الخبر فيها ليس من الذى نجح، وإنما الخبر الحقيقى أن الرجل رسب ولم ينجح.

 

لا أعرف المهندس الشحات لكننى كلما سمعته أو تابعت كلامه فى وسائل الإعلام أحسست بأنه يوجه إلىَّ إهانة شخصية، باعتبارى أحد الباحثين ذوى الصلة بالشأن الإسلامى. وحين علمت بنتائج الفرز فى جولة الانتخابات الثانية بدائرة النزهة بالإسكندرية، قلت إن إعراض الناخبين عنه بمثابة تصويت عقابى له، جراء أحاديثه التى دأب على إطلاقها خصوصا فى الفترة الأخيرة، وهذه قصة تستحق أن تروى.

 

فى جولة الانتخابات الأولى حصل المهندس الشحات على نحو 191 ألفا و675 صوتا، أما منافسه المحامى المستقل حسنى دويدار الذى أيده الإخوان فقد حصل على 144 ألفا و296 صوتا. كان الرجل قد عرف بالتشدد منذ كان طالبا جامعيا، وقد عرفناه حين قدمته لنا الفضائيات وتنافست بعض الصحف فى تسليط الأضواء عليه لشذوذ آرائه التى تعد صيدا ثمينا للراغبين فى الاصطياد والإثارة.

 

 وكان ذلك أوضح ما يكون حين استضافه أحد مقدمى البرامج الشعبوية وأغرقه فى بحر من الأسئلة التى تدور كلها حول آرائه فى الحياة الخاصة للناس، اللبس والخلع والحجاب والنقاب والمايوهات والكباريهات والخمر والميسر واللهو... الخ. وجاءت إجابات صاحبنا كلها بالسلب. حتى بدا وكأنه يريد أن يقلب كل شىء فى المجتمع، بغير تدرج أو ترفق أو رحمة. لم يسأله مقدم البرنامج عن شىء مما يهم جماهير الناس، مثل البطالة أو التعليم أو الصحة أو التنمية لكنه حاصره فى مشكلات النخبة واهتمامات الطبقات العليا. وهى الاهتمامات التى ما برحت تركز عليها أغلب وسائل الإعلام فى الوقت الحاضر، فى وقت لاحق هاجم الرجل الديمقراطية واعتبرها بدعة، وعاد إلى الحديث عن إطلاق اللحى وإغلاق البنوك ومنع المايوهات. ولم نسمع منه شيئا عما يمكن أن يحقق شيئا فى مصالح خلق الله، وكأنه لا يريد أن يغادر ساحة الممنوعات والمحظورات. ولا ان يعطى الناس أملا فى المباحات أو المندوبات (ما هو مستحب أو مرغوب).

 

 

قال لى أحد زملائه ممن تخرجوا معه فى قسم الكمبيوتر بجامعة الإسكندرية إن وسائل الإعلام أوقعت به، وان الرجل الذى لايزال فى الأربعينات من عمره لم يحسن التعبير عن نفسه. لم استبعد ذلك لكننى قلت ان أحدا لم يغصبه على ما قاله وانه استسلم للوقيعة ولم يخيب ظن الذين نصبوا له الفخاخ. وفى السياسة فإن المتحدثين لا يعذرون، لكنهم يحاسبون على ما ينطقون به، بل إنهم قد يحاسبونه على ما يسكتون عنه.

 

 

كلام المهندس الشحات أحدث مفعوله السلبى حين أعلن على الملأ. وكانت النتيجة أنه فى الإعادة خسر أكثر من 50 ألف صوت. ذلك أنه حصل هذه المرة على 144 ألفا و296 صوتا، مقابل 191 ألفا و675 صوتا فى الجولة الأولى. أما منافسه الذى كان قد صوت لصالحه نحو 170 ألف شخص فى الجولة الأولى، فإنه حصد فى الجولة الثانية أكثر من 28 ألف صوت إضافية، إذ صوت لصالحه 198 ألفا، وضمن بذلك الفوز فى الدائرة.

 

سمعت من البعض أن تراجع الإقبال على التصويت فى الجولة الثانية جاء خصما من رصيد المهندس الشحات، لكننى قلت إن ذلك التراجع كان يمكن أن ينسحب أيضا على منافسه، لكن الذين ذهبوا إلى التصويت أعرضوا عن الأول وصوتوا لصالح الثانى، بعدما قدم الشحات نفسه بالصورة السلبية التى عممها الإعلام على الناس.

 

 

قلت ان المجتمع عاقب الرجل بالإعراض عنه، وأضيف أن ذلك لم يكن إعراضا عن الشخص بقدر ما كان عزوفا عن التطرف وانحيازا إلى الاعتدال. قلت أيضا إننى شعرت بالارتياح لأنه لم ينجح، وأضيف أن لدى سببا آخر للارتياح هو أن أجواء الانفتاح النسبى التى تعيشها مصر الآن سمحت للمجتمع بأن يستمع فى العلن إلى ما كان يقوله الغلاة لاتباعهم فى الخفاء. وإذا كان إعراض الناس عنهم يعد عقابا مناسبا، إلا أن ذلك الإعراض ربما دفعهم إلى إعادة النظر فى أفكارهم وتهذيب خطابهم. وإذا ما تحقق الإعراض فإن المجتمع يكون قد تجنب مفسدة صغرى، أما إذا هذَّب الغلاة خطابهم فإنه يكون قد حقق مصلحة كبرى. ولنا فى الأولى أجر وفى الثانية أجران والله أعلم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved