نساء منفوشة ورجال مُتورِّطة

ريهام سعيد
ريهام سعيد

آخر تحديث: الأحد 9 فبراير 2014 - 2:55 م بتوقيت القاهرة

يمكن لهذه البلد أن تنفجر بالكامل، أن تعاني من الذعر المكثف والفقر والمرض وكل ما تشتهيه الأنفس.. إنما ستجد بردو وسط المجاعة عريسًا أشعثًا وعروسة غبراء يقفان وسط العواصف ويبتسمان في الوضعية المعتادة لالتقاط الصور، والبقية الباقية من البشر تزغرد وترقص، و3 كيلو بوفتيك يتم تحميرهم وسط الصحراء اتصرّفت فيهم أم العريس من العدم، لا شيء يمكن أن يمنع المصريين من الزواج أبدًا.

منذ عدة أشهر كان يبدأ حظر التجول في السابعة، أي قبل توقيت أي فرح مصري طبيعي بساعة أو أكثر.. كنا في عز عز الصيف، والحرارة في منتصف الظهيرة قادرة على تسييح بني آدم، إلا أنك كنت تجد الـ"تيت تيت تيت" الخاصة بزفة العروس ملعلعة في الشارع غير آبهة بأي هراء سياسي، السيارات المُزيّنة بالورد تجوب العالم منذ الواحدة ظهرًا عشان العروسة تلحق تتزف وتخلَّص الفرح قبل الحظر.. تمر السيارات إلى جانب المدرعات المسلحة فيحاول المُحتفلون جذب الجنود لمشاركتهم الرقص والتهليل، في تحدٍ عجيب لأي منطق ممكن!

كنت أفكر في مأساة هذه العروسة التي ترتدي 10 كيلو من القماش الأبيض الملغّم بالجيبونات والأسلاك، وتضع كمية هائلة من مساحيق التجميل تحت حرقة شمس الظهيرة، تحاول الصمود والتمسك بفرحة "ضهرية العمر" حيث إن "ليلة العمر" كمان مش أوبشن.. الفتاة المصرية الغلبانة التي تمت برمجتها على انتظار الزواج بفوارغ الصبر والحيلة، والتي قضت ثلاثة أرباع عمرها تبتسم في أسى ردًا على: "اتشطّرى بقى، عقبالك"..

حانت اللحظة المصيرية التي ستنجيها من الغمز واللمز والانتظار، وتزيحها من قائمة "اللي مش عارفين يتشطروا" إلى قائمة "الشطار"، إنجاز بمعنى كلمة إنجاز يعني..

الفرح هو المرحلة الأخيرة من الصمود، بعد ماشافت اللي محدش شافه لمدة شهور، ربما سنين.

- نرضي مين ولا مين يا ولاد الـ..!

أعيش الآن في "بكابورت" التجربة التي تجنبتها لفترة لا بأس بها، الزواج في مجتمعاتنا الشرقية بعيد تمامًا عن أي منطق إنساني يمكنه أن يبرر ارتباط شخصين بعلاقة أبدية، الزواج هنا هو عملية إنتاج عدد اتنين كائن بائس اسمهم "عرسان"، لا علاقة أبدًا مابين ما يمر به كليهما وبين ما يتضمنه قرار الزواج فعليًا.

أم العروسة كان نفسها في طقم صيني من زمان فلازم بنتها تجيبه، أخت العريس حماتها عملت وعملت فيجب أن توعّي أخوها عشان يتنصّح، مرات خال بنت عم العروسة تدلي بدلوها أيضًا.. الجميع يسعى حثيثًا حتى تعرفي ما يجب عليكِ معرفته عزيزتي..

بصي بقى: فيه خشب وفيه فرش، وكلاهما يختلف عن الآخر تمامًا.. اوعي يتضحك عليكي..هناك أعداد محددة لازم تتجاب من كل حاجة وإلا "الناس تاكل وشنا"، الفوط مثلًا يجب أن تكسر رقمًا قياسيًا ما، وعدد الوردات على الطقم الصيني يجب أن يكون خمسة بالعدد.. إياكٍ وطقم الصيني أبو 6 وردات، دة يبقى بلدي! خمسة حلوين، ولزوم الحسد بردو..

"وفين البوفيه؟ مش هتجيبي بوفيه؟؟"
لن تستقيم الحياة بدون بوفيه بالطبع.. هذا على اعتبار امتلاكك لـ"عثمانة" يجب أن تجد بوفيهًا لتضع عليه أصناف الحلو الذي ستقدمه لكِ بعد أن تنتهين من التهام الحادق على سفرتك اليومية.. هذا هو اتيكيت التقديم يا حضرت، دة على اعتبار آخر بالطبع، وهو إنك هتلاقي تاكلي أساسًا!

الصيني السابق ذكره هو إله النيش عند الفراعين ولا يتم المساس به مُطلقًا، وبالتالي فأنتِ بحاجة لكميات أخرى وأنواع مختلفة من المواعين، مثلًا هناك أطقم "تيفال" وأطقم "بايركس" وأطقم "ميلامين".. وإياكِ أن تظني زورًا وبهتانًا يا عزيزتي أن لذلك علاقة بلعبة الطفولة القديمة عند التخبيط على الباب.. حيث يقول أحدهم: مين؟، فيرد الآخر: أنا الميلامين!.. هذا يختلف عن ذاك تمامًا، وأهي كلها حاجات هتقفي تغسلي فيها لما يبانلك صاحب..

تحاول العروس أن تكون واعية وتطلب المستجدات من عريسها أولًا بأول، تقع في ورطة مايعلم بيها إلا ربنا في محاولة للطبطبة هنا، والتورية هنا، وتمشية الحال هناك.. تدريب عملي للفتاة المصرية كي تكون "من النوع اللي بيعيش"، فَشَر توشيبا أو إل جي!

- نظرية الدواجن:

هي: إن شاء الله تيجي ساعتها بقى انتي والننّة.
أنا (في ذهول): ننة ايه؟
هي: الننة بتاعتك..
أنا (أحاول الاستيعاب): أنا معنديش ننة!
هي: مانتي هيبقى عندك..
أنا: آآآآه، لأ أنا مش ناوية أجيب ننة دلوقتي..
هي: هيهيهيي ياسلام!
أنا: آه والله
هي: أومال هتتجوزي ليه؟

...

تنص نظرية الدواجن على أن كل امرأة هي كائن داجن بطبعه، عليه أن ينتج عددًا معينًا من البشر خلال فترة زمنية محددة، وإلا فقد فشل في مهمته على هذا الكوكب.

هناك هدف أكبر منا جميعًا، "لازم نجيب عيال"، هذا هو الهدف، أما الاستعداد للتربية، امكانية تحمل مسئولية تشكيل بني آدم، القدرة النفسية أو المادية المنطقية على كل ذلك.. كل هذا لا يهم مطلقًا..

"العيّل بييجي برزقه"، "الحقي"، "أولاد الشيّاب يتامى"، "ماتتبطريش، غيرك مش لاقي"... اسطمبات عديدة جاهزة للرد بمنتهى التحفز، وكأن الطفل هو كيلو لحمة من أبو 70 جنيه، لا يمكن تفويت فرصة الحصول على واحد.

صدق أو لا تصدق: هناك العديد من النساء غير مصابة بهوس امتلاك طفل، لا أفهم العيب في ذلك.. أنا مثلًا أم لأولاد اخواتي وأولاد أصدقائي وبعض أطفال المارة أيضًا، أمارس معهم أمومة جزئية تحتملها طاقتي الهزيلة، إلا أنني غير مستعدة لأرضي العالم بطفل جديد ينضم لليستة التشوهات والعُقد، لمجرد أنني أنجبته في توقيت لا يؤهلني لتربيته، إنما يناسب الآخرين جميعًا.

هل يمكن شرح ذلك لسيدة رائعة تفوق الستين؟ أو أخرى تفوق الثلاثين وتشعر بالحسرة لأنها ليست مكاني؟ أو للأهل اللي عايزين "يفرحوا بينا"؟!

-يارب هوّن:

رجل متورّط مابين عروس تعسة يُكتّفها النقص والضغط، وما بين محاولات السلف والدين لإتمام أشياء لا تخصه لا من قريب ولا من بعيد، يحاول تمشية الأمور ثم إيجاد ردود منطقية لأسئلة وجودية من نوعية: هيا هتتحكم في حياتي كدة للأبد؟

امرأة تخضع طوال الوقت لاستجواب مكثف وتقتل الآخرين في عقلها عدة مرات يوميًا، يسألها الجميع: "هتلبسي منفوش ولا ديل سمكة؟" ويبدأ كل منهم في سرد رؤيته، وتحذيرها من فلانة التي لم توفق في الاختيار، وكانت وحشة يوم فرحها..

تنهمر الآراء والاقتراحات عليهم كالأمطار الاستوائية في ماليزيا.. الجميع يرى أن هناك أشياء أفضل كان يُمكن أن تحدث، وأن البائسَيْن اللذيْن قررا الانتحار لم يخططا لانتحارهما بالكفاءة اللازمة!

ثم يستغرب كثيرون من حدوتة فلان الذي أوقع الشربات على فستان فلانة في الفرح، فصرخت في وجهه، فطلّقها!.. لا على فكرة الموضوع منطقي تمامًا، هذه هي اللقطة الأخيرة في فيلم هزلي بدأ منذ عدة شهور.

...

كنت أقول أنني كنت أفكر في عروسة الحظر إياها، تضاربات مشاعرها ومزيج الانتصار والترقب في عينيها، وثقل الفستان على ظهرها المنهك من رص الصيني في النيش على مدار أسبوع.. لا يمكنني أن أزيحها عن بالي مطلقًا!

أقف أمام مدخل دار مناسبات شهيرة، يتم شحن العرسان داخلها بمعدل اتنين كل نص ساعة حيث أنه موسم وكدة كل سنة وانتو طيبين!.. نساء منفوشة يرتسم على وجهها ملامح أقرب إلى الذعر، ورجال متورطة غير مهتمة إنما عايزة تخلص، لربما نتج عن كل هذا المرار فكاكهم من الكبت الجسدي على الأقل.. لا مانع من الدخول في أنواع أخرى من الكبت، إنما أقل وطأة..

تظهر صورتك على الهاتف لتقطع سيل الأفكار، أتنهد وأندن بشكل لا إرادي:

"علشانٍك انتي أنكوي بالنار وألقّح جتّتي...!"

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved