هوامش على معرض الكتاب 2018

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 9 فبراير 2018 - 9:44 م بتوقيت القاهرة

(1)

اليوم تنتهى فعاليات الدورة الـ 49 من معرض القاهرة الدولى للكتاب 2018، ولن أخوض فيما يُخاض فيه كل عام من حيث الإمكانات والتنظيم ومشكلات الإدارة؛ فكلنا يعلم أن معرض القاهرة للكتاب بعد 2011 لم يعد هو ذاته الذى كان قبلها. قل ما شئت عن المشكلات المزمنة؛ عن ضعف الإمكانيات، عن الارتباك والفوضى والعشوائية، كل ذلك معلوم؛ لكن شيئا واحدا يضمن لهذا المعرض أن يكون دائما فى الصدارة، وأن يكون قبلة لكل المثقفين، شاء من شاء وأبى من أبى.. كلمة السر دائما فى نجاح مثل هذه الفعاليات التاريخية هى «الجمهور»؛ الناس، البشر، هم الحياة ذاتها.

الجمهور وحده هو الذى يعطى المعرض حيويته ونضارته وحضوره رغم كل شىء؛ ما زالت الأسر المصرية البسيطة حريصة على زيارة معرض الكتاب ولو ليوم واحد؛ ما زالت أجيال وأجيال تحافظ على حنينها المتوهج لمعرض الكتاب؛ المواطن المصرى البسيط الذى لا يكترث له أحد هو الذى يمنح المعرض كل هذا البهاء والألق والحضور.

العام المقبل سَيُتِم معرض القاهرة الخمسين من عمره (اليوبيل الذهبى) فليفكر القائمون على الأمر كيف ينظمون دورة تليق بتاريخ هذا المعرض وقيمته ولنتجنب المظاهر الشكلية الفارغة، ولنعمل بجدية وتخطيط سليم كى يخرج فى صورته التى يستحق.. اللهم بلغت!

(2)

من أهم الأماكن التى أحرص على زيارتها سنويا فى معرض الكتاب، جناح دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة أرستقراطى الطابع، أنيق الإصدارات؛ غزير العناوين المهمة التى تعالج موضوعات ومعارف شتى أغلبها يتصل بالأدب والتاريخ والحضارة والفنون وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها؛ وكتب وإصدارات أخرى غاية فى الأهمية والقيمة.

هذه المرة أكملت ما كان ينقصنى من «نصف المجموعة الكاملة» من أعداد مجلة «أَلِف» (مجلة البلاغة المقارنة) التى تصدر عن الجامعة الأمريكية منذ العام 1981. اكتملت مجموعتى بدءا من العدد أو المجلد (18) حتى العدد الأخير (37) الصادر فى 2017؛ أى إنه أصبح لدىّ مجلدات عشرين سنة بأكملها؛ وهى ثروة لا تقدر بثمن لمن اتصل بالدراسات اللغوية والثقافية وتحليل الخطاب بأى سبب أو صلة.

مجلة ألف تصدر باللغتين العربية والإنجليزية؛ نصف المواد يكون غالبا باللغة العربية والنصف الآخر بالإنجليزية (أو بنسبة الثلث إلى الثلثين). يقوم على تحريرها نخبة من المتخصصين الممتازين؛ برئاسة الناقدة الجليلة د.فريال جبورى غزول، ولها لجنة تحكيم غير معلنة لإجازة البحوث والمقالات المنشورة بها. صدر العدد الأول منها عام 1981، وعلى مدى 37 عاما نُشرت فى هذه المجلة بحوث ومقالات ودراسات رائدة؛ ومثل بعض أعدادها بمحاوره المختارة مراجع لا غنى عنها فى بابها..

سعادتى لا توصف بهذا الكنز المعرفى الثقافى الثمين.

(3)

من أهم الأعمال التى تستحق الاقتناء هذا العام من معرض الكتاب؛ الترجمة العربية لـ «الكوميديا الإلهية» للشاعر الإيطالى الأشهر دانتى الليجيرى؛ التى صدرت عن هيئة قصور الثقافة (سلسلة ذاكرة الكتابة) فى ثلاثة مجلدات؛ «الجحيم»، «المطهر»، ثم «الفردوس» (بمجموع ما يقرب من 1500 صفحة من القطع الكبير) ثمن الجزء الواحد منها عشرة جنيهات! «الكوميديا الإلهية» من أهم الآثار الأدبية فى تاريخ البشرية كلها، وكان لها تأثير ضخم على الأعمال الفنية والأدبية منذ ظهورها وحتى اليوم.

ما يميز هذه الطبعة أنها مصورة عن طبعة دار المعارف الأصلية المدققة العامرة بالشروح والتعليقات والحواشى التى تمثل نصا موسوعيا موازيا للنص الأصلى؛ وهى الطبعة الشرعية التى أخرجتها دار المعارف قبل عقود، وأعادت إصدارها مجددا بعد نفادها.

صاحب هذه الترجمة هو المؤرخ الفذ والأستاذ الأكاديمى المرموق المرحوم د.حسن عثمان؛ أحد رواد الثقافة المصرية والعربية المجهولين، أنفق 25 سنة من عمره وهو يترجم (الكوميديا الإلهية).. يسافر إلى إيطاليا ويجوب الأماكن التى أشار إليها دانتى أو اتصل بها عمله من قريب أو بعيد.. كان أستاذا عظيما من أساتذة جامعة القاهرة، كلية الآداب، قسم اللغة اليونانية واللاتينية، أحد الأقسام التى أنشأها العميد طه حسين.

لحسن عثمان كتاب بديع عن «الراهب الثائر أو سافونارولا»، فضلا على كتابه المرجعى القيم «منهج البحث التاريخى»، وهو واحد من كتابين أو ثلاثة على الأكثر التى أصلت لهذا المنهج فى الثقافة العربية، بعد طه حسين وعبدالرحمن بدوى ومحمد مندور.

من آفاتنا الضاربة بجذورها العميقة الغفلةُ ونسيانُ جهود وإسهامات هؤلاء العظام الذين أفنوا حياتهم فى زهد وتبتل وصمت خدمة للعلوم والفنون والآداب.. دون أن يتذكرهم أحد..

وكل معرض كتاب وحضراتكم طيبون وبخير..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved