إلى أين نحن ذاهبون؟

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 9 فبراير 2018 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

سؤال يتردد فى معظم إن لم يكن فى كل دول العالم سواء كان العالم المتحضر أو المتخلف أو الذى يقع بينهما، وما يهمنا هنا هو بلادنا مصر، وهناك مقولة فلسفية تعلن أنه «لا توجد إجابة سهلة لسؤال صعب» والإجابة السهلة لهذا السؤال الصعب هو ذكر الإنجازات التى تحققت فى الأربع سنوات المنصرمة مثل شبكة الطرق والكبارى والعاصمة الجديدة والقناة الجديدة وحقل الغاز....إلخ، وهى فعلا إنجازات ملحوظة إلا أن الغلاء والبطالة والأزمات المتلاحقة وضربات الإرهاب والفساد المستشرى يبتلع الفرحة بهذه الإنجازات. وهنا نأتى إلى سؤال ربما يبدو أقل صعوبة لكنه أكثر شفافية من الناحية العملية وهو هل نحن نسير فى طريق يصل بنا إلى ما هو أفضل وأقوى وأغنى مما نحن عليه اليوم؟ عندما نحاول الإجابة على مثل هذا السؤال علينا تحليل الموقف الحالى لبلادنا على شاشة بانورامية تاريخية وهنا نستطيع أن ندرك أن الدولة يتراجع دورها إقليميا وعالميا عندما تتراجع داخليا، وهذا التراجع يمكن إدراكه بسهولة عندما نراقب أن القوى الناعمة للقطر المصرى والتى تتمثل فى التعليم والسياحة والسلام الاجتماعى ليست على المستوى المطلوب. فعندما كان التعليم فى مصر قويا كان الأطباء المصريون غير محتاجين لدراسة المعادلة لشهاداتهم فى الدول التى يهاجرون إليها بل إن أطباءنا كانوا يعملون فى أكبر المستشفيات فى العالم، لأن كلية طب القاهرة مثلا معترف بها عالميا، كذلك تراجعت السياحة بسبب الصورة السلبية لمصر والأحداث الطائفية التى تعطى رسائل بعدم الاستقرار بل عدم الوعى والدوران فى دائرة مفرغة. لقد تراجعت الثقافة العامة ولم تعد مصر تفرخ مثقفين من العيار الثقيل نظير عباس محمود العقاد وطه حسين وزكى نجيب محمود وعبدالرحمن بدوى... وغيرهم الكثير والسبب معروف وهو سيادة التيار الدينى المتطرف الذى يحتقر العلم والعلماء والثقافة والمثقفين ويتهمهم بالإلحاد والخروج عن الإيمان والدين والملة ورغم أن المثقفين فى العقود الماضية كانوا بلا شك يتعرضون للهجوم والتخوين والاتهام بالإلحاد إلا أنهم كانوا يصمدون وكانت هناك قاعدة شعبية لهم تفتخر بهم وتستمع إليهم، وقضاء مستنير ينصفهم ولم يكن هناك قانون سيئ السمعة لازدراء الأديان. نتيجة كل ذلك صعد اليوم مجموعة من المثقفين يمسكون العصا من المنتصف وعليهم أن يقسموا بأنهم غير ملحدين وأنهم متدينون وذلك ليسمح لهم بالتواجد فى الحياة العامة وفى الميديا، بل إننا رأينا تراجعا ضخما فى ثقافة المسئولين سواء من بعض المحافظين أوالوزراء فهناك من احتفظ ببيضة أو ثمرة طماطم مكتوب عليها «لا إله إلا الله» وكان يعرضها فى مكتبه بكل فخر، ومن أهم القوة الناعمة فى مصر التى تراجعت بقوة «القانون والقضاء» فقد كنا مع كل حكم عادل نردد ومعظم الشعب المصرى بفخر «إن فى مصر قضاة» اليوم مع الأسف الشديد هناك اعتراف بالمجالس العرفية خارج إطار القضاء والدولة، وبلا شك المجالس العرفية موروث قبلى حيث كانت القبائل فى القديم ليس لديها نظام قضائى وإذا ببعض الحكام والمحافظين يعترفون علنا بالمجالس العرفية متجاهلين تماما نظامنا القضائى وكأننا نرتد من نظام دولة إلى نظام قبلى.

***

ومن أهم عناصر القوة الناعمة يأتى الفن، لقد كان عمر الشريف سفيرا لمصر وكذلك يوسف شاهين وأم كلثوم... وغيرهم أين نظير هؤلاء اليوم؟ أين المسارح والسينمات أتذكر أنه كان فى كل مدينة على مستوى الجمهورية سينما، وأتذكر وأنا فى المرحلة الابتدائية فى مدينة ملوى محافظة المنيا قامت المدرسة بتنظيم رحلة لمشاهدة فيلم «رد قلبى» لشكرى سرحان ومريم فخر الدين وصلاح ذو الفقار وحسين رياض وكذلك فيلم «أين عمرى» لماجدة وزكى رستم. كذلك كانت وما زالت إحدى علامات القوة الناعمة التى تتميز بها مصرالأزهر والكنيسة بتاريخهما الطويل وتأثيرهما العريض ولقد كان افتتاح الرئيس السيسى للكاتدرائية والمسجد فى العاصمة الجديدة بديعا، لكن لم يواكب ذلك الحدث الدعاية الكافية للعالم ولم يتم دعوة رموز دينية عالمية إسلامية ومسيحية أو وسائل إعلام من خارج مصر فلم نسمع خبرا عنها فى تليفزيونات العالم أو صحفه.

وبالنظر إلى دور مصر الإقليمى كقوة ناعمة نلاحظ أن مصر فقدت معظم إفريقيا والتى كانت الخلفية الثابتة لها والعضد للقضية الفلسطينية ولمعظم قضايا العرب، ولقد كان لبطرس بطرس غالى مساعد وزير الخارجية فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى الفضل فى بناء العلاقات الإفريقية المتميزة لكن منذ محاولة اغتيال مبارك فى إثيوبيا فى 26 يونيو 1995 بدأنا نبتعد بإصرار عن إفريقيا وهنا كانت الكارثة التى عانينا منها فى أزمة سد النهضة، بل إن التعامل مع السودان أصبح اليوم مشكلة بعد أن كان حلا، وبإلقاء نظرة على السودان نكتشف أنها تستدعى جميع أعداء مصر قطر وتركيا على حدودنا الجنوبية. لقد فقدنا وبحق حركة ما اصطلح على تسميته بـ «الدبلوماسية الاستباقية» أى تمييز علامات الأزمنة أى التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها واستباقها حتى لا نكون ضحية لها، وقد كان وزراء خارجيتنا من أكثرالدبلوماسيين حنكة واحترافا من هذه الزاوية بدءا من محمود فوزى فى الخمسينيات حتى سامح شكرى مرورا بإسماعيل فهمى وعمرو موسى وغيرهما وبالتالى هناك أسئلة تحتاج إلى حسم ووضوح مثل الموقف من سوريا فالموقف من سوريا غير واضح تماما وكذلك الموقف من إيران بتورطها فى سوريا والعراق. ومن أهم عناصر القوة الناعمة لمصر التاريخ المصرى الفرعونى المسيحى الإسلامى والسؤال إلى أى مدى استخدمنا هذه القوة الناعمة لنعلن للشرق الأوسط والعالم أننا دولة لها تاريخ وها نحن نحتفل بمعرض الكتاب الدولى لهذا العام والذى يعتبر من أهم الأحداث المعبرة عن تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا وعن مصرنا الأصيلة والمعاصرة وأن شعبنا شعب تاريخى معاصر أتذكر ما حدث العام الماضى عند دعوة أدونيس للمعرض وكيف هوجم الرجل واتهم بالإلحاد والزندقة، لماذا لم نقم هذا العام بدعوة أكثر من مثقف عالمى وشرق أوسطى ليكون المعرض دعاية مصرية للعالم ككل. إن معارض الكتب فى بعض الدول العربية والخارجية تعطى زخما إعلاميا ودعاية عالمية للدولة. كل هذا بالتزامن مع بعض القوة الإقليمية التى صارت أكثر عنفا فدولة قطر تعتبر خنجرا فى ظهر العرب وهى تتبنى سياسة عجيبة لا تستطع أن تحدد خطوتها القادمة فى الوقت الذى فيه تستطيع شراء العالم بإمكاناتها المالية الضخمة مع صغر حجمها وهى سبب قلق وعكننة لمصر ودول الخليج ككل. إن مغازلة قطر للإرهاب علامة استفهام ضخمة. لم يعد اليوم ما نستطيع أن نعبر عنه كدولة صديقة ودولة عدوة فقد أصبحت المصلحة هى الحكم وتتغير التحالفات طبقا للمصالح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved