عن حال العلوم والتكنولوجيا فى الوطن العربى


قضايا تعليمية

آخر تحديث: الخميس 9 مارس 2017 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا لـ«خالد صلاح حنفى» ــ المتخصص بأصول التربية ــ حول تقرير اليونسكو للعلوم حتى عام 2030 وبخاصة فيما يتعلق بما ذكره التقرير حول وضع العلوم والتكنولوجيا فى الوطن العربى وما تضمنته أهمية ذلك التقرير كونه الأول الذى يرصد حال العلوم فى الوطن العربى فى أعقاب ثورات الربيع العربى، وما شهدته المنطقة من أزمات وتغيرات غيرت وجهه ومعالمه.

يستهل الكاتب المقال بالإشارة إلى أن الأعوام الخمسة الماضية قد شهدت تغيرات جيوسياسية هائلة كانت لها تداعيات ملموسة على العِلم والتكنولوجيا. وعلى سبيل المثال لا الحصر: الربيع العربى عام 2011، والاتفاق النووى مع إيران عام 2015؛ وإنشاء رابطة دول جنوب شرق آسيا عام 2015، فضلا عن تراجع أسعار النفط الخام والتغيرات الاقتصادية والسياسية على مستوى دول العالم.

كانت لهذه التغيرات آثار وتداعيات مؤثرة فى أوضاع العلوم والتكنولوجيا فى الوطن العربى. ففى مصر على سبيل المثال، حدث تغير جذرى فى سياسة العلوم والتكنولوجيا والابتكار منذ بداية أحداث الربيع العربى، فبدأت الحكومات الجديدة المتعاقبة تسعى لتحقيق اقتصاد المعرفة والنظر إليه على أنه أفضل السبل للحصول على قاطرة نمو فعال. فنص دستور عام 2014 على قيام الدولة بتخصيص 1% من إجمالى الناتج المحلى على البحث والتطوير على أن تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمى وتشجع مؤسساتها العلمية كوسيلة نحو تحقيق السيادة الوطنية وبناء اقتصاد المعرفة الذى يدعم الباحثين والمخترعين.

كما جلب الربيع العربى فى تونس المزيد من الحرية الأكاديمية، وسهَّل العلاقات الدولية. لكن على الجانب الآخر تواجه دول عربية مثل ليبيا واليمن حركات تمرد قتالية، مما يحد من الأمل فى الإحياء السريع للعلوم والتكنولوجيا. كما تقع سوريا فى خضم حرب أهلية.
هذا، وقدمت الحدود السياسية التى يسهل اختراقها، والناتجة عن الاضطرابات السياسية فى الربيع العربى، الفرصة لجماعات إرهابية انتهازية للازدهار. حيث لا تشكِّل هذه الميليشيات تهديدا للاستقرار السياسى فقط، ولكنها تقوِّض أيضا التطلعات الوطنية نحو اقتصاد المعرفة، لأنها بطبيعتها معادية للمعرفة بشكل عام، وضد تعليم الفتيات والنساء على وجه الخصوص. وتتمدد مخالب هذه الظلامية الآن جنوبا حتى نيجيريا وكينيا.
من جهة أخرى فقد أثنى التقرير على إنشاء عدد من البلدان العربية ــ من بينها المغرب ومصر ولبنان ــ مراصد لقياس مؤشرات النمو والابتكار، وحث باقى الدول على أن تحذو الحذو ذاته، وأن تربط هذه المراصد المحلية بعضها ببعض. كما أشاد التقرير بمساهمة العنصر النسوى فى قاطرة البحث العلمى العربي؛ فنسبة الباحثات فى الدول العربية تبلغ 37%، وهى تزيد على النسبة المسجلة فى الاتحاد الأوروبى وهى 33%.
***
يوضح «حنفى» أنه فيما يتعلق بمؤشرات تراجع العلوم فى البلاد العربية فقد رصد التقارير عددا منها يأتى أبرزها عزوف الطلاب العرب عن دراسة العلوم الأساسية والتطبيقية، وتوجه ما بين 60 و70 % من الطلاب إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية، فضلا عن أن تدريس العلوم فى المدارس والجامعات العربية لا تتم بطريقة ممتعة أو بطريقة قائمة على التساؤل والبحث والتقصى والاكتشاف. وإجمالا فإن جودة تدريس العلوم ليست على المستوى المنشود لأنها لا تعد من الأولويات، فضلا عن عدم وجود تركيز كاف على الأولويات والاستراتيجيات البحثية، وعدم كفاية التمويل لتحقيق الأهداف البحثية، وقلة الوعى بأهمية البحث العلمى الجيد، فضلا عن الجهود التعاونية المحدودة بين دول المنطقة، وأخيرا ما يتعلق بهجرة العقول الكثيفة.
وعلى الرغم من أن أغلب الدول العربية لها استراتيجياتها الخاصة فى تطوير العلوم والتكنولوجيا، إلا أنها تظل حبيسة الأدراج والخطابات الإنشائية فى افتتاحيات المؤتمرات العلمية. وهذا أدى بدوره إلى هجرة الكفاءات العلمية والبحثية من الوطن العربي؛ إذ رصد التقرير ارتفاعا ملحوظا لمعدلات هجرة العقول خلال السنوات الأخيرة فى العالم العربى، كما أكد معدوه أنهم وجدوا صعوبة فى جمع بعض البيانات؛ نظرا لتحفظ الكثير من الدول عليها، ومن بينها الأعداد الفعلية للعقول المهاجرة.
أما فيما يتعلق بأسباب تراجع العلوم فى الوطن العربي؛ فقد أوضح التقرير أن من أبرز أسباب تراجع العلوم فى الوطن العربى، تأجج الصراعات والثورات خلال الأعوام القليلة المنصرمة، والضغوط المتصاعدة على الدول العربية، وبخاصة تلك المتعلقة بالأمن ومكافحة الإرهاب، ما حفز حكومات هذه الدول على زيادة الإنفاق العسكرى والتسليح، بدلا من إنفاقها على البحوث والتنمية؛ حيث أكد التقرير أن هذه الزيادة قد بلغت حوالى 4% منذ عام 2013، وهو ما يقدر بنحو 150 مليار دولار أمريكي؛ ففى المملكة العربية السعودية وحدها زاد بمعدل 14%، أى ما يقارب 67 مليار دولار، متخطية بذلك المملكة المتحدة واليابان وفرنسا، لتصبح رابع أعلى دولة فى الإنفاق العسكرى بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا.
كما رصد التقرير توجه بعض الدول العربية إلى تحديد نسبة واضحة للإنفاق الحكومى على البحث العلمى فى دستورها، كما حدث فى مصر والعراق وليبيا وغيرها. لكن على الرغم من تعهد الحكومات برفع حصة البحث العلمى إلى 1% من الناتج المحلى الإجمالى منذ 25 عاما، إلا أن أيا من الدول العربية لم تلتزم بالوصول إلى هذا الهدف.
***
أما بالنسبة لتحسين الوضع الراهن للعلوم؛ فقد أكد التقرير على ضرورة رصد الأدوات التنفيذية اللازمة لتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية للعلوم فى البلاد العربية، من دعم مالى وإجرائى، لتطبيقها على أرض الواقع، والاستفادة فى ذلك من خبرات الدول المختلفة.
يختتم الكاتب بالتأكيد على ضرورة تقليل الفجوة القائمة بين أصحاب القرار والباحثين، وكذلك بين المجتمع والقطاع الخاص، من خلال تطوير آليات للتواصل بينهم، والاعتماد على نماذج ناجحة من العلماء الشباب، فضلا عن الحاجة إلى الارتقاء بالتعليم، وتوفير المنح للباحثين والمتميزين بالجامعات والمراكز البحثية المتقدمة، وكذلك سد الفجوة فى ما يخص الاستثمار فى التعليم والبحوث، وضرورة سعى الدول لجذب المواهب فى توجيه الاقتصاد المعرفى مما يحسن مواقعها التنافسية على المستوى العالمى.

النص الأصلى:
https://goo.gl/tDSNHu

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved