الإسلام بديلًا من العروبة: أين موقع إسرائيل.. وهل سقطت فلسطين سهوًا؟

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 9 مايو 2012 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

تستطيع إسرائيل أن تحتفل، مطمئنة ومزدهية، بالذكرى الخامسة والستين لإقامة كيانها ــ بالقوة العاتية ــ فوق أرض فلسطين وطرد شعبها منها ليتوزع مجاميع من «اللاجئين» فى «دول الجوار العربى» وأشتاتا من الباحثين عن أى ملجأ فى أربع رياح الأرض يمنحهم المأوى وفرصة تربية أبنائهم على حلم العودة.

 

وبرغم أن إسرائيل لا تنكر أنها أقوى من مجموع الدول العربية، عسكريا واقتصاديا، وأعظم تقدما منها فى مجالات العلوم كافة، فإنها تواصل تعزيز قدراتها برا وبحرا وجوا، وها هى الغواصة النووية الرابعة تصلها من ألمانيا كهدية، بينما تكمل الولايات المتحدة بناء القبة الفولاذية التى تحميها من احتمال أى هجوم على المدن فى الأرض المحتلة بصواريخ المقاومة التى قد تنطلق مجددا من لبنان كما حدث فى صيف العام 2006.. أو من أية حدود عربية أخرى، ردا على أية محاولة لاجتياح جديد.

 

ثم إن «قضية فلسطين» تغرق فى بحور النسيان، لا تستطيع السلطة المنشقة على ذاتها أن تدعى أنها قد حفظتها، خصوصا أنها أقيمت بقرار من خارج إرادة شعبها المشرد والمفقر و«المنبوذ» فى ديار اللجوء، والذى يعامله أهل النظام العربى بامتهان يزيد فى قسوته عن معاملة العدو الإسرائيلى.

 

●●●

 

أما الشعوب العربية المثقلة بهموم عيشها، والمقهورة بأنظمة الطغيان التى قام معظمها أصلا على أكتاف القوات المسلحة وبذريعة العودة الى ميدان الصراع مع العدو الإسرائيلى، فهى تجاهد من أجل التغيير.. يتفجر غضبها انتفاضات وثورات عفوية ولا قيادات مؤهلة ولا برامج محددة ولا خط سير واضحا فى اتجاه النظام البديل المنشود.

 

أليس لافتا أن يغيب أى ذكر لفلسطين عن هتافات الملايين المحتشدة فى الميادين، إلا نادرا، وأن تختفى الإشارة إلى شعبها المشرد أو إلى قضيتها المقدسة، ويغَيّــــــب - بالتالى ــ الاحتلال الإسرائيلى وجرائم القهر بالسجن المؤبد للمجاهدين.. والأخطر: القفز من فوق مسألة الاستيطان والتوسع المتمادى فى بناء المستعمرات على أراضى من تبقى من أبناء فلسطين فيها.

 

حتى غزة التى ينفرد الإخوان المسلمون «بحكمها» ويمنعون مشاركة «الإسلاميين» آخرين فيها، نراها تسقط قصدا، وليس سهوا، من البيانات والخطابات والمواعظ، بما فيها خطب الجمعة، فى الدول التى أسقطت الميادين الطغاة فيها وتقدمت تنظيمات إسلامية الشعار نحو السلطة تشارك حيث يتعذر الانفراد بها أو تحاول احتكارها حيث تفترض أنها جاهزة بما يكفى لطرد القوى الأخرى من جنتها.

 

وإذا ما افترضنا الصحة والدقة فى الذرائع التى يُسوقها الإسلاميون فى مجال تبرير «حقهم» فى الهيمنة على السلطة الجديدة بعد إسقاط الطغيان والقائلة بأن الجيوش التى اقتحمت القصور وأسقطت حكام هزيمة 1948قد انشغلت بالحكم عن قضية فلسطين كما عن قضايا الشعب عموما، فإن ما يطرحه الإسلاميون المتقدمون نحو «السلطة الثورية» لا يأتى على ذكر فلسطين، ولا يحدد موقفا واضحا من العدو الإسرائيلى الذى أدام احتلاله لأراض عربية، بعضها فى مصر (سيناء فى «حماية» المراقبين الدوليين الذين يختارهم من جنود دول صديقة له) وبعضها فى الأردن، فضلا عن الجولان السورى، وبعض الأرض اللبنانية.

 

ويمكننا أن ننسى أو نتناسى بعض التصريحات التى صدرت عن قادة إسلاميين والتى تتسم بالحياد والتلطى خلف «معاهدة السلام» والحرص عليها وكذلك على اتفاق تزويد إسرائيل بالنفط والغاز المصرى.

 

●●●

 

لا بأس، هنا، من عودة سريعة إلى تاريخ الصراع العربى ــ الإسرائيلى.

 

منذ البدء قال الإسلاميون ــ عموما ــ أن فلسطين قضية إسلامية بقدر ما هى إسرائيل قضية يهودية. وكان ذلك المنطق المغلوط يصب فى مصلحة ادعاءات الحركة الصهيونية، ويخرج من حومة الصراع بعض مكونات الأمة وهم المسيحيون بمختلف طوائفهم، وهم من كانوا وما زالوا فى صلب النضال والمقاومة، فكرا وجهادا بالسلاح.

 

ثم إن هذا المنطق يتهاوى أمام واقع أن المليار مسلم المنتشرين فى العالم ليسوا شعبا واحدا بل هم شعوب فى دول عدة، بعضها لا يعرف من فلسطين وعنها إلا ما يتصل بالإسراء والمعراج والمسجد الأقصى، وبمعنى القداسة الدينية وليس بالدلالة السياسية.

 

ليس من التجنى القول إن «الإسلاميين» عموما قد تعاملوا مع الحركة القومية العربية وكأنها أعدى الأعداء، وإن مواجهتها وإلحاق الهزيمة بها يجب أن تكون لها الأولوية على مجابهة قوى الاستعمار عموما وإسرائيل على وجه الخصوص.

 

وانه لأمر غير واقعى أن تحال فلسطين على المسلمين، سواء بتنظيماتهم السياسية أو بهيئاتهم الدينية وهى مجتمعة لا تشكل قوة فعلية لا فى السياسة ولا فى الحرب، وإن كانت تزعم أن الدين هو المرجعية الفعلية للتحرير وليس الوطنية أو العروبة وليس حلم الوحدة العربية بل هو وهم الوحدة الإسلامية.

 

ولقد اكتسب منطق «الإسلاميين»بعض الشرعية عبر انكشاف ادعاءات أنظمة الطغيان عن صحة تمثيلها للحركة القومية العربية.

 

لكن ذلك لم يضف كثيرا إلى شرعية اعتماد «الإسلام» سلاحا للتحرير.. خصوصا أن الإسلام إسلامات متعددة ليس فقط بعدد الفرق والمذاهب والشيع وإنما بعدد الأغراض والأهداف السياسية التى تختلط فيها العصبية الدينية مع الإصرار على تطمين الغرب عموما وأمريكا خصوصا عن استعداد الإسلام لحوار الأديان مع المسيحية شكلا ومع اليهودية أو إسرائيل عمليا.

 

وإذا ما استثنينا تجربة جمال عبد الناصر، بكل ما لها وعليها، فإن سلوك الأنظمة العسكرية التى استولت على السلطة فى أكثر من بلد عربى فى ظل شعارات التحرير والتقدم، رافعة الراية العربية إنما قدمت خدمة ثمينة لكل خصوم العروبة فى الداخل ولكل أعداء النهوض العربى والتقدم فى اتجاه التكامل، اتحادا أو وحدة، فى الخارج.

 

●●●

 

من الضرورى الاعتراف أن بعض أنظمة الطغيان التى حكمت بالشعار القومى قد أهانت الشعار وحقرته.. فالعسف والقهر واحتكار السلطة، والادعاء الكاذب بتمثيل العمال والفلاحين وسائر الفئات المسحوقة فى مختلف الأقطار العربية، كل ذلك قد أعاد الاعتبار إلى الأنظمة الملكية وصورها أرحم بالشعوب التى حكمتها من «الجمهوريين» المزركشين بشعارات الاشتراكية والحرية الوحدة لمخادعة الرعايا والتحكم بحاضرهم ومستقبلهم.

 

لقد أساءت أنظمة الطغيان بشكل خاص إلى هدف تحرير فلسطين، وبالتالى إلى شعار الوحدة، أكثر من خصومها وأعدائها بالمصلحة، وقدمت خدمة جليلة لكل أعداء الأمة فى الداخل والخارج، وفى الطليعة منها إسرائيل ومشاريع توسعها على حساب فلسطين ــ القضية والشعب، والهيمنة الأمريكية وأنظمة العسف الملكية.

 

وها هى تلك القوى المعادية تأتلف وتتكاتف لمنع الثورات التى تتفجر بها الأرض العربية من التكامل والاندفاع إلى مهمتها المقدسة فى التحرر والتحرير بغير تردد أو معوقات.

 

لقد تنامت النزعة إلى الاستئثار بالسلطة عند الإسلاميين بحيث باتوا يخرجون من صدام مع مطالب التغيير إلى مواجهة من هم ــ موضعيا ــ فى موقع حلفائهم.

 

وإذا كان إسلاميو تونس قد تصرفوا بدهاء وارتضوا مشاركة القوى السياسية «المدنية» فى السلطة الجديدة، فان إسلاميى مصر يصرون على احتكار السلطة بمواقعها المختلفة إلى حد التصادم مع «المجلس العسكرى» الذى ذهب كثيرون الى حد اتهامه بالتواطؤ معهم بدءا بالتعديل الدستورى المنقوص وصولا الى انتخابات مجلس العشب وبعدها انتخابات مجلس الشورى.

 

أما إسلاميو سوريا الذين يموهون حركتهم بشعارات مبهمة لا يستطيع شركاؤهم فى « المجلس الوطنى» رفضها وان كانوا يستريبون فيها، ويتركون لعلاقتهم الوطيدة مع الحكم فى تركيا، وهو «إسلامى مستنير»، أن تُطمئن القلقين على مستقبل الدولة العلمانية فى سوريا، فضلا عن تهدئة روع الأقليات غير الإسلامية عموما وغير السنية خصوصا، الى أن النظام المقبل سيكون علمانيا، بدليل برنامجهم الجديد الذى أعدوه على عجل مقتبسين الكثير من النصوص التركية للعلمانية السورية وبما يرضى أصحاب القرار الكونى فى واشنطن ولندن وباريس.. وربما فى موسكو وبكين أيضا، من دون أن ننسى إسرائيل، التى تقرر انها علمانية حتى وهى تعلن عن ذاتها كدولة يهود العالم.

 

لكن هذا التطمين لا يكفى لاكتساب تأييد وبالتالى دعم بعض الدول العربية التى تحكم بالشعار الإسلامى.

 

وليس مؤكدا أن تكون زيارة مفتى الديار المصرية خطوة فى هذا السياق، ولكن لا بد من التوقف أمام التبرير الذى أعطاه المفتى من أنها زيارة للمسجد الأقصى فحسب ولم يقدم جواز سفره لشرطة الاحتلال الإسرائيلى..

 

(للمناسبة هل تحمل جوازات سفر المسئولين المصريين مع الرئيس الأسبق أنور السادات أختام الأمن العام الإسرائيلى، وماذا عن جوازات سفر الوزراء عموما والخارجية خصوصا، خلال زياراتهم المتعددة للكيان الصهيونى؟!).

 

●●●

 

باختصار: إن للإسلام السياسى وجوها شتى، بينها أنه يقدم الدين على الهوية الوطنية، وبالتأكيد على الهوية القومية.. وربما تشكل هذه الحقيقة مدخلا لفهم تحفظات الوطنيين والقوميين عموما، فضلا عن اتباع الديانات الأخرى (أو المذاهب الإسلامية الأخرى) فى مصر وسائر الأقطار العربية، وفلسطين على وجه الخصوص، على شعارات الحكم الإسلامى والذى تبدت بعض تجلياته فى الميدان ثم أمام وزارة الدفاع فى القاهرة، وأخيرا وليس آخرا فى زيارة الاعتذار المدوى إلى السعودية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved