سحور كفاية!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 9 سبتمبر 2009 - 10:19 ص بتوقيت القاهرة

 هل انتهت حركة كفاية تماما، وأصبحت من الماضى، أم أن جذوتها لا تزال متقدة؟
ولدت كفاية فى أجواء ربيع القاهرة عام 2005، وظن كثيرون أن معانقة الحرية الحقيقية وإزاحة الحكومة المتكلسة يمكن أن يصبح واقعا متجسدا على الأرض.

فى مساء الجمعة الماضية، وفى المنزل العامر لرجل الأعمال البارز هانى عنان، اجتمع أكثر من 300 شخص ما بين سياسيين ومثقفين وصحفيين، فيما صار يطلق عليه إعلاميا «سحور كفاية»، رغم أنه سحور عنان الذى تحمل جانبا رئيسيا فى تمويل كفاية، وبالطبع تمويل السحور الذى جمع نقيضين لا يجتمعان كثيرا وهما الفول والجبنة مقابل الكباب والكفتة.

السهرة التى بدأت فى العاشرة مساء وامتدت حتى آذان الفجر كانت فرصة لكثير من الأصدقاء أن يلتقوا بعد طول غياب، تحدثوا عن الصيام وتوقعاتهم لمباراة مصر ورواندا فى اليوم التالى، أما بقية المناقشات بشأن القضايا السياسية ومستقبل مصر فكانت تشير بوضوح أن كثيرا من الأحلام قد أجهضت، وأن الرهانات كانت كبيرة، والإنجازات قليلة.

عندما بدأت كفاية كانت تضم كل أطياف المجتمع المصرى، وفى سهرة الجمعة كان واضحا أن الإخوان قد طلقوا الحركة طلقة بائنة، وأن الحركة انتهت إلى مجموعة من الأشخاص يملك غالبيتهم حبا جارفا لبلدهم، وإخلاصا حقيقيا لقضاياه، لكنهم نخبة مثقفة لا تملك تواصلا مع المجتمع الذى تريد تغييره، معضلتها أن الناس لا يعرفونها، وهنا كان مقتلها رغم نبل كل أهدافها.

يأس الناس وعجز الأحزاب جعل كثيرين يتصورون أن كفاية تستطيع بمفردها أن تصلح كل ما أفسده النظام السياسى وعجز عنه المجتمع المدنى، ولذلك كبرت الرهانات المبالغ فيها على الحركة. وبعد أكثر من أربع سنوات، فإن النتيجة على الأرض واضحة لا لبس فيها..

الإشراف القضائى الفعلى على الانتخابات انتهى تماما عبر التعديلات الدستورية، وسيناريو التوريث يوشك تقريبا على النجاح، والأحزاب تلاشت أو تكاد، وكل القوى المتمردة سواء كانت أحزابا أو أفرادا قد جرى تأديبها بطرق متعددة، وجماعة الإخوان تعيش مرحلة كمون أقرب إلى التراجع، وحتى أقباط المهجر بدأ كثير منهم يراجعون موقفهم.. والخلاصة أن الحكومة حققت نجاحات باهرة فى قتل أى بارقة أمل لحياة سياسية سليمة أو حتى مجتمع مدنى حى.

مصر تكاد تكون متفردة فى أن الظواهر خصوصا ما يتعلق بالحركات السياسية تبدأ كبيرة جدا ومبشرة ثم تصغر، وفى العمل السياسى والحزبى والنضال الوطنى فإن ذلك يعد كارثيا، لأنه يعنى أن هذه التنظيمات ذات نفس قصير للغاية مما يجعلها تموت قبل أن تولد عمليا بفعل الفيروس أو الميكروب المتفشى فى جسد السياسة المصرية.

هانى عنان متفائل بأن هناك مجتمعا مدنيا جديدا يتشكل، وأن كفاية كانت حركة تحريضية، ولايزال تأثيرها مستمرا.. نتمنى أن تتحقق هذه الرؤية، لكن الواقع أيضا يقول إن المجتمع المدنى ينكمش، والأحزاب تتلاشى، والنقابات تتصارع، وربيع 2005 صار خريفا، ومنسق عام كفاية نفسه د. عبدالحليم قنديل محاصر فى رزقه ولقمة عيشه من الأصدقاء قبل الخصوم.

ثم إن السهرة كانت للسحور وليس للإفطار، والفرق اللغوى بينهما كبير، والمغزى السياسى أكبر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved