أسئلة للمثقف

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 11:45 ص بتوقيت القاهرة

لك كل الحق عزيزى المثقف أن تختلف مع من شئت، لا يملك أحد أن يرغمك على قبول شخص أو فكر أو دين... لكن كلما تطرق الأمر لحساسيتكم المفرطة من كل ما يُنسب إلى الوصف (إسلامى) أجد نفسى مدفوعا لطرح هذا السؤال: لماذا لا نجد منكم حوارا واحدا يستند إلى الحُجة المنطقية الواضحة أو الدليل العلمى القاطع بعيدا عن التشنج وعبارات المظلومية وعشرات القوالب المستهلكة على غرار (عصور الظلام) و(خفافيش الظلام) وكل ما اشتق أو تفرع عن الظلام؟

إطلاق العنان للتكفير واتهام الناس فى نواياها حذر منه النبى صلى الله عليه وسلم: «أشققت عن صدره؟» وسار على نهجه الدعاة والعلماء فى أغلبهم حتى يومنا هذا.... وفى الوقت الذى يرفض فيه المتثاقفون دعوات التكفير يفاجئك بأنهم أسرع الناس سقوطا فى مستنقعها... وإلا فما معنى كلمة (متأسلم)؟ التى يُطلقها أحدهم فيتلقفها عنه زملاؤه للتندر بها على كل من نسب نفسه إلى حركة إسلامية؟ متأسلم تعنى ببساطة مدعيا للإسلام، أى أن إسلامه زائف، ببساطة أكثر هو ليس فقط كافرا بل منافقا... هذا (لازم) وصفكم من ناحية اللغة واستعمالها (وأعلم أن أغلبكم لا يُطيقها أصلا) وإلا يلزمكم التراجع عن لازم هذا الوصف والتصريح باستعمالكم ما لا تدركون خطورة معناه فى نعت خصومكم !

ما معنى علمانية؟ دع عنك كل قواميس الدنيا التى تنكر عند المواجهة التزامك تعريفها، ودع عنك التخاريف التى تزعم أنا نهرف بها، واشرح أنت للشعب المصرى الذى تدعى تمثيل ثقافته وتجسيد مخزونه الحضارى، اشرح له مرادك بالتفصيل من كلمة (علمانية)... كن شجاعا ولا تتلاعب بالألفاظ من فضلك، لا داعى للخلط بين (العلم) و(الحضارة) و(التحديث) وبين غيرها من المعانى... تعال نتحدث عما شئت من تحديث المناهج التعليمية، ورؤيتك فى تطوير البحث العلمى، اطرح ما شئت من الرؤى ولنتحاور.. لا تخش شيئا فلسنا نحن من حرق العلماء ولا نحن من وصف العلم بالسحر ولا كنا من اعتقد المرض مسا شيطانيا.. هذه كانت كنائس أوروبا التى ثار الناس عليها فى العصور الوسطى.. أما شعوبنا فما ثارت يوما ولن تفعل على مساجدها وتراث أمتها !

العلمانية التى تفصل الدين عن السياسة موجودة فى النظريات جاهزة للاستدعاء فى أى وقت، أما فى واقع الناس فتسمع عن (الحرب الصليبية) من بوش فى أقصى الغرب، وعن الحرب المقدسة من الكنيسة الروسية فى أقصى الشرق ! وبينهما عشرات الأحزاب الأوروبية المسيحية.. بل بينهما إسرائيل... اليهودية!

بعيدا عن كل هذا، ما الذى قدمه المثقفون للمواطن المصرى البسيط؟ ما مقدار إسهامكم فى الارتقاء بوعيه وتوسعة مداركه على الأقل فى الخمسين عاما الأخيرة؟ هل كان (المتأسلمون) بهذه الفعالية للدرجة التى تقف أمام أقل مجهود يُبذل لتثقيف وتنوير وتمدين الشعب المصرى؟ أى ُمجهود بذلتموه لوقف الانحدار الجنونى للذوق المصرى العام؟ أى ُمعان حرصتم على تزكيتها فى النفوس عوضا عن معانى الابتذال والبلطجة والفهلوة والشهوانية التى تحاصر المجتمع من كل حدب وصوب؟

هذه الأمة تحتاج تحديثا لا تغريبا وتبحث عن حرية مسئولة لا عن علمنة متحررة... أمة تعرف أن (تخلفها) عن ركب التفوق العلمى أمر عارض، و(عزلتها) عن مصادر المعرفة مسألة طارئة وتبقى (أصالتها) هى مادة تفردها... بل هى مادة بقائها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved