الحسابات الخاطئة وراء نذر الحرب فى المنطقة

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الخميس 9 نوفمبر 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

ما كتبناه هنا فى الاسبوع الماضى حول القيود التى تحد من فاعلية التحالف الخليجى الاسرائيلى ضد إيران، وقبل ساعات من العواصف التى هبت من العاصمة السعودية الرياض وعليها كان يستند إلى الحسابات الاستراتيجية الرشيدة، وهى حسابات يتفق حولها أغلب المعلقين فى أمريكا وأوربا والخليج ومصر، وحتى فى إسرائيل نفسها، ولكن من قال إن الخطأ فى الحساب ليس واردا بالمرة ؟! ومن يدعى أن أدهى السياسيين لا يرتكب الحماقات ؟!
ألم يذهب عبقرى الحرب والسياسة نابليون بونابرت ضحية قراره بغزو روسيا؟ وكذلك هتلر الذى راهن على أن بريطانيا ستعقد الصلح معه بمجرد أن ترى قواته تقتحم الحدود السوفيتية؟
ولم نذهب بعيدا فى المكان وقد ثبت لدينا الآن أن جميع حسابات جمال عبدالناصر فى حرب 1967 كانت خطأ فى خطأ؟ ومن قبلها تدخله المسلح فى اليمن، كذلك ثبت أن إسرائيل ارتكبت حماقة مهلكة فى عدوانها على لبنان 2006، وها هو ذا يثبت كل يوم خطأ قرار التدخل العسكرى السعودى الإماراتى فى اليمن، و من قبل ومن بعد جاء غزو بوش الابن للعراق بنتائج عكسية كارثية، وجاء التدبير والتمويل الأمريكى / الخليجى لعسكرة الثورة السورية – أيضا ــ بنتائج عكسية كارثية.
إعمالا لهذه القاعدة .. أى قاعدة اشتعال الحروب بناء على حسابات خاطئة لم يعد احتمال اندلاع حرب أو عدة حروب ــ بالوكالة أو مباشرة – بين إيران وحلفائها الإقليميين، وبين التحالف الخليجى الاسرائيلى مستبعدا، بل بات واردا بقوة، أكثر من أى وقت مضى، بعد العواصف التى هبت من العاصمة السعودية وعليها فى الأسبوع الذى انقضى اليوم، ونقصد بها الصاروخ الحوثى (الإيرانى الصنع) على الرياض نفسها، والذى تقول السعودية إن كوادر حزب الله هى التى جمعت أجزاءه، وأطلقته، وبما أن هذا الحزب شريك فى الحكومة اللبنانية فإن السعوديين اعتبروا لبنان فى حالة حرب معهم، كما نقصد إقالة أو استقالة سعد الحريرى رئيس وزارء لبنان خلال زيارته للسعودية، وإنذاراته بقطع جميع الأذرع الإيرانية دون هوادة، ثم حملة الاعتقالات الموسعة لأمراء سعوديين كبار (جدا) ورجال أعمال، لتركيز القرار والموارد والرؤى فى يد ولى العهد الشاب (بطل التحالف مع إسرائيل والمواجهة مع إيران).
ما هى إذن تلك الحسابات التى نصفها بأنها خاطئة؟ 
يجب التأكيد مرة أخرى على مشروعية حق السعودية وحلفائها الخليجيين، وواجبهم فى الدفاع عن أنفسهم، واستقرار بلدانهم فى مواجهة التهديدات الإيرانية، ولكن هذا شىء، والحسابات الخاطئة، والتحالف سياسيا وعسكريا مع اسرائيل شىء آخر. 
فى مقدمة الحسابات الخاطئة، ما يستنتج من وجود قناة خلفية بين الرياض، وبين البيت الأبيض الأمريكى لتجنب معارضة المؤسسة السياسية والعسكرية فى الولايات المتحدة لمغامرة جديدة فى لبنان، أو فى الخليج، ومن الواضح أن جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب، وستيف بانون المستشار الاستراتيجى لترامب من منازلهم هما مشغلان هذه القناة، وبالطبع فإن إسرائيل شريك فاعل فى كل ذلك، إذ لم يعد خافيا أن «المؤسسة» كبحت جماح الرئيس أكثر من مرة فى منطقة الخليج، فأرغمته على التراجع عن تأييد الحصار الرباعى لقطر، كما أرغمته على عدم إلغاء الاتفاق النووى مع إيران. 
وإذا كان هناك من يستبعد وجود مثل هذه القناة الخلفية فى دولة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل، فلنذكره بالقنوات الخلفية العديدة التى راجت فى عهد الرئيس رونالدريجان (الجمهورى المتشدد والسلف الأعقل نسبيا والمباشر لترامب)، فقد كانت هناك قناة خلفية من وراء ظهر ريجان نفسه بين الكسندر هيج (وزير خارجيته الأول) وبين آرييل شارون وزير دفاع إسرائيل، هى التى حولت الغزو الاسرائيلى للبنان عام 1982 من حرب محدودة إلى اجتياح شامل تضمن احتلال بيروت، وهو ما أدى فيما بعد إلى إقالة كل من هيج وشارون.
كذلك كانت هناك قناة خلفية لتوريد أسلحة لإيران، ومخدرات للداخل الأمريكى، لاستخدام الحصيلة النقدية فى تمويل متمردى نيكارجوا فيما عرف باسم إيران – كونترا جيت.
ومن قبل ذلك اشتهرت القناة الخلفية بين الرئيس جونسون وإسرائيل فى حرب 1967، والقناة الخلفية بين البيت الأبيض والمتمردين الكوبيين فى عهدى الرئيسين آيزنهاور وجون كيندى، والتى لم تكشف إلا بعد فضيحة الفشل فى غزوة «خليج الخنازير».
وبالطبع فالمصريون تحديدا يذكرون القناة الخلفية البريطانية الفرنسية الاسرائيلية للترتيب لعدوان 1956.
لكن بما أن شعوب الشرق الأوسط، وخاصة نحن العرب سنكون الأكثر معاناة من أية حرب، أو حروب تشتعل بحسابات خاطئة، فلابد أن نحذّر ألف مرة من هذه القنوات الخلفية، لأن تعهداتها تكون غير منضبطة، ولا تلزم إلا الأشخاص المتبرعين بها، ومن ثم يسهل التنصل منها، وخذوا مثالا على ذلك من تعهدات الرئيس جيمى كارتر للرئيس أنور السادات حول الحقوق الفلسطينية والقدس بعد اتفاقات كامب ديفيد، ومن قبلها تعهدات نيكسون – كيسنجر بعد حرب أكتوبر، فى وقت لم يكن يوجد فيه مثل هذا الشقاق الحالى بين البيت الأبيض، وبين سائر مكونات المؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية.
ومن الحسابات الخاطئة أيضا – حسبما نتصور – اعتقاد المخططين فى تلك القناة الخلفية أن الفرصة السانحة الآن للحسم ضد «وكلاء إيران» فى لبنان، وربما أيضا قطر، قد لا تعود قريبا، فهؤلاء الوكلاء مشغولون الآن عسكريا فى سوريا وفى شمال العراق، لقطف ثمار الانتصارات التى حققوها، ومن ثم فإن القوة المسلحة لحزب الله فى لبنان هى الآن منقوصة بنسبة مؤثرة، وكذلك فإن ميليشيات الحشد الشعبى العراقية الموالية للحرس الثورى الإيرانى لن تستطيع التحول بسرعة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لنصرة إيران بتهديد السعودية، وغيرها من دول الخليج.
ويسرى ذلك أيضا على تركيا التى تحتفظ بما يقرب من 60 ألف جندى فى قطر، فهى نفسها مشغولة فى شمال العراق، وشمال سوريا بالتضامن مع إيران ضد محاولات الاستقلال الكردية، فضلا عن طول خطوط الامداد والاتصال بينها وبين قواتها فى شبه الجزيرة القطرية.
ويعود اعتقادنا بأن هذه «الحسبة» خاطئة، أولا لأن حزب الله لا يعتمد فى حربه ضد إسرائيل على المواجهات التقليدية، ولكنه كما أعلن هو نفسه، وكما يؤكد الاسرائيليون سوف يعتمد على القصف الصاروخى المكثف، وثانيا لأن الجغرافيا السياسية قد تعمل لصالح إيران أكثر مما تعمل لمصلحة التحالف الخليجى الاسرائيلى، من حيث القدرة على إغلاق مضيقى هرمز وباب المندب، بما يسبب أبلغ الضرر للتجارة الدولية، وخاصة إمدادات البترول والغاز، لأوروبا والصين والهند و اليابان، فترتبك كل حسابات ترامب وقناته الخلفية. 
وكذلك تخدم الجغرافيا السياسية إيران من ناحية وجود أقليات شيعية (ليست صغيرة) فى كل دول الخليج لا مفر من أخذ ردود فعلها فى الحسبان، خاصة عند التحالف مع إسرائيل الصهيونية لضرب إخوانهم فى المذهب فى إيران، وإخوانهم فى المذهب والعروبة فى لبنان.
ربما يكون أيضا من مدركات ترامب الطائشة التى تعمل عليها قناته الخلفية الاعتقاد بأن حربا ضد إيران، قد توفر له مهربا من مشكلاته الداخلية، وتوحد الأمريكيين خلفه، هذا فى الداخل، وفى الخارج فقد تحرج مثل هذه الحرب روسيا، وتحرم الصين من إمدادات الطاقة لفترة طويلة تكفى لتقويض اقتصادها المتجه بقوة للتفوق على الاقتصاد الأمريكى، ولكن هذه فكرة طائشة – كما قلنا توا – لأن استتباب مبدأ الاعتماد المتبادل بين اقتصاديات العالم الكبرى منذ عدة عقود يعنى انهيار الاقتصاد العالمى كله إذا تقوض الاقتصاد الصينى، وستكون مئات الشركات الأمريكية والأوروبية المصدرة إلى الصين والمستوردة منها فى مقدمة الخاسرين والمفلسين، بمصانعها ومتاجرها وأساطيلها ومديريها وموظفيها وعمالها، وأسهمها و قروضها، فهل سيسمح بمثل ذلك لرئيس أرعن، من أجل رئيس حكومة إسرائيلية يرفض السلام العادل، وحلفائه المستجدين فى الخليج ؟!
أما من ناحية روسيا فيكفيها ما حققته حتى الآن، ويمكنها أن تكتفى أيضا بإمداد إيران وحلفائها بما يحتاجونه لحرب استنزاف طويلة ضد أمريكا وحلفائها، على غرار فيتنام، وانتقاما لما حدث لها فى أفغانستان، ويسرى ذلك أيضا على الصين، فتصبح المنطقة من حدود باكستان حتى سواحل المتوسط جبهة موحدة ضد التحالف الأمريكى الاسرائيلى الخليجى، ومع ذلك فهذا الكابوس لا يريده لا الروس ولا الصينيون ولا الإيرانيون، ولكن قد يفرض عليهم! 
وأما عن الداخل الأمريكى فقد استعرضنا آنفا كيف أن حربا كهذه قد تفجر هذا الداخل ضد رئيس مخبول.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved