ترامب وبن سلمان.. وما بينهما

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 9 نوفمبر 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

لم يخرج أى رد فعل من العواصم الكبرى ردًا على ما قام به محمد بن سلمان من إلقاء القبض على كبار رجال المال والأعمال، وتنحية وتحديد إقامات كل خصومه السياسيين. إلا أن واشنطن ورئيسها دونالد ترامب كان الاستثناء الوحيد من خلال تأييده المباشر لخطوات بن سلمان. وقال ترامب «لدى ثقة كبيرة فى الملك سلمان وفى ولى عهده» الأمير محمد، كما أشار الرئيس الأمريكى فى تغريدة على حسابه على موقع تويتر إلى أن «بعض أولئك الذين يعاملون بصرامة فى السعودية استنزفوا بلدهم لسنوات». 
وبداية لا يعرف أحد يقينا خبايا وتفاصيل علاقات بن سلمان بدونالد ترامب. إلا أنه من المؤكد وجود ترتيبات يتم التخطيط لها فى مناسبات عدة سواء كانت زيارات علنية أو زيارات سرية، أو يتم التعبير عنها فى تعهدات بصفقات مليارية، أو من خلال دعم مباشر كما ظهر فى بيانات رسمية أو تغريدات رئاسية.
لم تعرف واشنطن بن سلمان إلا أخيرا، ومثل صعود نجمه خلال العام الأخير مفاجأة كبيرة لواشنطن ودوائر صنع القرار بها، فقط تعرفه من خلال آليتين، أولهما من الأخبار التى لا تتوقف عن دوره في الحرب على اليمن والتى خلقت كوارث إنسانية لا تحصى، والأخرى كتابات معلقين أمريكيين من العيار الثقيل مثل توماس فريدمان، أحد أهم كتاب نيويورك تايمز، وديفيد إجناشيوس الكاتب البارز بواشنطن بوست عن بن سلمان، ممن رتب لهم قضاء ساعات مع الأمير الشاب فى قصوره فى السعودية. محمد بن سلمان تلقى تعليمه داخل السعودية، ولم يعش التجربة الأمريكية أو الغربية كغيره من الأمراء السعوديين من جيله. وهو بلا شك يجهل دهاليز السياسة الأمريكية ولا يفهم توازنات القوة ولا أدوار المؤسسات الحاكمة فيها. من ناحية أخرى لا يعرف الرئيس ترامب توازنات العائلة الحاكمة فى السعودية، ناهيك عن جهله الشديد بترتيبات الأوضاع السياسية والاستراتيجية التى تعتمد عليها سياسات الشرق الأوسط.
***
على الرغم من ذلك يجمع بن سلمان وترامب الكثير والكثير. الرجلان جدد على معترك السياسة المعقد، وكلاهما يكن عداء غير مفهوم وغير مبرر تجاه قوى ودول إقليمية وتنظيمات محلية، وهى قوى ودول لن تختفى فى المستقبل المنظور. عداء كبير لإيران، عداء لقوى الإسلام السياسى التى تلعب أدوارًا سياسية متمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين أو تنظيم حماس أو حزب الله. يجمعهما كذلك إعجاب غير مسبوق بإسرائيل وتوجهاتها فى المنطقة. يمكن تفهم موقف ترامب كسياسى أمريكى، لكن لا يمكن تفهم موقف بن سلمان إلا فى إطار عدم فهمه لديناميكيات السياسة الإسرائيلية والأمريكية. ويؤمن بن سلمان وترامب بضرورة إعادة تشكيل المنطقة بما يناسب مع طموحات الأمير الصغير وأيديولوجية الرئيس الكبير. 
ولدونالد ترامب علاقات متشعبة ومعقدة مع دولة ولى العهد، بدايتها كانت ما صرح به ويعبر بأمانة عن رؤيته للمملكة حين قال إن «السعودية بقرة حلوب تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الأمريكى، ومتى جفت وتوقفت عن منحنا الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا ذبحها» وذلك إبان حملته الانتخابية. كذلك قال ترامب لمحطة فوكس الإخبارية إن تقرير لجنة تحقيق 11 سبتمبر يظهر أن السعودية لعبت دورا مهما فى الهجمات الإرهابية، إلا أننا هاجمنا العراق ونحن كنا نعلم أنهم ليسوا من أسقط مركز التجارة العالمى. وعلى الرغم مما سبق، فقد جاء محمد بن سلمان زائرا للبيت الأبيض، وأحسن استقباله. وخلال اللقاء عرض بن سلمان على ترامب برنامج رؤية السعودية 2030، كذلك امتدح بن سلمان سياسات ترامب العنصرية تجاه المسلمين والتى رأى أنها ضرورية لحماية الأمريكيين. ثم جاءت زيارة ترامب للرياض التى صاحبتها حالة غير مسبوقة من الاحتفالات الهستيرية. وتباهت القيادة السعودية بعقد صفقات تجارية وعقود مشتريات عسكرية تتخطى قيمتها مبلغ 400 مليار دولار. ومنح بن سلمان ترامب كل ما يريد، ولم يتحدث أو يثر مع ترامب أى شىء بخصوص قانون «العدالة فى مواجهة رعاة النشاط الإرهابى» المعروف اختصارا باسم «جاستا»، وهو قانون اعتمده الكونجرس بأغلبية تقترب من الإجماع بين أعضاء الحزبين الجمهورى والديمقراطى داخل المجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويؤيده الرئيس ترامب، وأقره الكونجرس وأصبح قانونا، ومن خلاله يمكن توجيه الاتهام للمملكة السعودية وأعضاء أسرتها الحاكمة بالضلوع بصورة مباشرة وغير مباشرة فى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية والتى راح ضحيتها ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكى.
***
نصح بن سلمان من لوبيات واشنطن وأصدقاؤه الإماراتيون بضرورة اختيار عدة نقاط يتم تكرارها وفرضها على الرأى العام الأمريكى. وهذه النقاط هى، تحرير المرأة السعودية من خلال الوعد بقيادتها للسيارة قريبا. عدم التعرض أو الإشارة للصراع العربى مع إسرائيل ولا لحقوق الشعب الفلسطينى. تبنى خطاب ينادى بإصلاح الدين الإسلامى كى يناسب العصر. التركيز على العداء لإيران ونفوذها الهدام فى المنطقة. ونهاية بأن ما يقوم به هو لخدمة شباب المملكة الذين يمثلون 60 % من سكانها.
على الرغم من ضخ ملايين الدولارات للترويج لـ«بن سلمان» و«سياساته الجذابة»، إلا أن عقلاء واشنطن يسيطر عليهم القلق فيما يتعلق بمستقبل المملكة السعودية خاصة مع التغيرات والقلاقل المتسارعة داخلها أو تلك القلاقل على حدودها الجنوبية أو الشمالية أو حتى الشرقية. ولا يستطيع ترامب ولا صهره كوشنر فك طلاسم سياسات قصور آل سعود التى تختلط فيها الاعتبارات العائلية والقبائلية، باعتبارات الزواج والإنجاب، وهوية الأمهات. بعض الأمريكيين اليمينيين يعتقدون أن بن سلمان يمثل فرصة حقيقية للتحديث نظرا لصغر سنه، وفرصة لفرض إسرائيل والتطبيع معها نظرا لعدم ارتباطه بالتقاليد السعودية المتشددة، إلا أن البعض يدرك أيضا أنه كفرصة قد يتحول لأزمة لا يمكن معها السيطرة على زمام أمور الحليف السعودى المهم.
من المؤكد أن دونالد ترامب هو من أكثر الرجال خطورة على وجه الأرض، ويري البعض أن بن سلمان هو من أكثر الرجال خطورة على الشرق الأوسط، من هنا يصبح التحالف والمحبة بينهما شيئا يضيف مخاطر متعددة للشرق الأوسط الملتهب. نعم من المبكر الجزم بما سينتج عن التحقيق فى علاقة دونالد ترامب بالتدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية التى أتت بترامب رئيسا، إلا أن سيناريو الإطاحة به ليس مستحيلا. من هنا يعد التحالف مع رئيس غير مستقر مثل ترامب قد يظهر بعض الانتصارات الزائفة، وستكون تكلفته عالية لا يقدرها إلا من يفهم تفاصيل السياسة الأمريكية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved