قراءة فى نتائج الانتخابات

إبراهيم الهضيبى
إبراهيم الهضيبى

آخر تحديث: الجمعة 9 ديسمبر 2011 - 9:55 ص بتوقيت القاهرة

المخالفات الإدارية التى شابت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية تستحق التوقف والعلاج، وكذلك القصور الإدارى الذى يمنعا للآن من التثبت بدقة من نسبة الأصوات التى حازها كل طرف، بيد أن ذلك لا ينفى كونها الانتخابات الأولى التى تتم بغير تزوير أو عنف ممنهج من قبل السلطات يؤثر على نتائجها، وهو ما يعطى تلك النتائج دلالات تستحق التأمل.

 

أول ما يستحق التوقف نسبة المشاركة القياسية (نسبة من أدلوا بأصواتهم تتأرجح بين 52% و60.7% بحسب المصدر)، والتى تتجاوز كل نسب المشاركة السابقة بما فيها نسبة المشاركة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس الماضى (41%)، وتمثل قطيعة مع انتخابات ما قبل الثورة، التى لم تتخط نسبة المشاركة فيها ــ على ما تم من تسويد للبطاقات ــ 27.5% من المقيدين فى الجداوال الانتخابية (2010)، و28.13% من المقيدين فى 2005، وهى نسبة مشاركة تؤكد إصرار المصريين على المشاركة فى صناعة مستقبلهم بشكل ديمقراطى، بعيدا عن رغبة السلطة وبعض النخبة فى فرض وصايتها عليهم.

 

ومقارنة نسبة المشاركة مع الديمقراطيات المستقرة يبعث على التفاؤل، إذ بلغت نسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة (2008) 57.5%، فيما بلغت نسبة المصوتين فى الانتخابات البرلمانية البريطانية (2010) 61% من الناخبين، بيد أن مقارنة الرقم مع الدول المجاورة يقول إن الأفضل لم يأت بعد، إذ بلغت نسبة المشاركة فى الانتخابات البرلمانية التركية (2007) 74%، وشارك 72.6% من المغاربة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية هذا العام، وبلغت نسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية (2009) 75.52% رغم أن الانتخابات البرلمانية فى العام السابق لها لم تتخط نسبة المشاركة فيها 13%، ومصر مرشحة لمشهد مماثل، إذ ينوى 90% من المصريين ــ بحسب استطلاعات جالوب ــ المشاركة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

بيد أن التحفيز على المشاركة يستلزم صياغة النظام السياسى على نحو يشعر عموم المواطنين بتأثير المشاركة على حياتهم، وذلك باد من ارتفاع نسبة المشاركة حيث الديمقراطية التشاركية (فى 2010 شارك 80.6% من الناخبين البرازيليين فى الانتخابات البرلمانية)، وحيث يكون للدولة أثر أكبر على حياة المواطنين كالدول الاسكندنافية (نسبة المشاركة فى الانتخابات البرلمانية فى الدنمارك 2007 والنرويج 2009 والسويد 2010 بلغت 83.2%، و74.7% و82.6% على التوالى).

 

ولا تنحصر مؤشرات المرحلة الأولى من الانتخابات فى نسبة المشاركة، فقراءة نتائج القوائم ــ التى تعبر بصورة أدق عن اتجاهات الناخبين كونها توضح النسب التى حازها كل طرف لا نسب النجاح فحسب ــ تعبر عن موقف واضح من النظام السابق يؤكد الرغبة الكاملة فى تغييره، فامتناع حكام مصر المؤقتين عن إصدار قانون العزل السياسى لم يمنع جموع الشعب من طرد الفلول ديمقراطيا، إذ بلغت نسبة الأصوات الإجمالية التى حصلت عليها قوائم أحزاب الفلول الثمانية 7.16% من إجمالى الأصوات الصحيحة، معظمها لن يترجم لمقاعد برلمانية، ثم إن الشعب عاقب أيضا قوائم الأحزاب الأخرى التى ضمت فلولا، فحصلت على نسبة أصوات لا تتناسب مع تاريخها وحملاتها الدعائية.

 

والرغبة فى تغيير النظام تأكدت أيضا فى الموقف من الأحزاب التى كانت قائمة قبل الثورة، إذ بلغت النسبة الإجمالية التى حصلت عليها أحزاب الوفد والغد والجبهة الديمقراطية والعربى الناصرى والدستورى الاجتماعى الحر 8.28% لن يترجم منها لمقاعد إلا ما كان للوفد، وهو ما يؤكد احتياج مصر لنخبة سياسية جديدة بعد أن فقد ثقته فى نخبته (بحسب استطلاعات جالوب، 38% فقط من المصريين يثقون فى الأحزاب السياسية)، ولم تنج من تلك المقصلة إلا الأحزاب التى تحالفت مع الكتلة المصرية أو التحالف الديمقراطى، بيد أن أنصبتها من مقاعد تلك التحالفات تبقى محدودة للغاية.

 

 ولا يقل مؤشر صعود الإسلاميين أهمية عما سبق، بيد أنه يستحق قدرا أكبر من التمحيص لفهم أسبابه ودلالاته، وأول أسبابه فى تقديرى أن السؤال الانتخابى لم يتمحور حول البرامج السياسية وإنما حول سؤال الهوية، وهو ما تتحمل مسئوليته أطراف شكلت تحالفات ليس بينها أى مشترك سياسى إلا الموقف من الإسلاميين، وأطراف أخرى أصيبت بهوس الهوية لقلة الخبرة السياسية، فكانت النسب التى حصل عليها كل طرف نتيجة مباشرة لهذا الاستقطاب.

 

والاستعانة باستطلاع مركز جالوب يساهم فى فهم الصورة بشكل أدق، إذ لا يتجاوز إجمالى المؤيدين للإسلاميين (أى القوى التى تؤمن بالإسلام كأيديولوجية سياسية) 27% من المصريين (15% للإخوان، و7% للسلفيين، و5% للوسط)، بينما يدافع 83% منهم عن دور للدين فى الحياة العامة، أى أن أغلبية المصريين تؤمن بالإسلام كإطار مرجعى عام وليس كأيديولوجية سياسية، وهم بالتالى أقرب ــ إن دارت المعركة الانتخابية حول أسئلة السياسات لا الهوية ــ أن يصوتوا لأحزاب ذات توجهات مختلفة تشترك فى احترامها للمرجعية الإسلامية، ولكن سؤال الهوية والاستقطاب الناتج عنه يدفعهم باتجاه الإسلاميين.

 

وهذا الاستقطاب يؤدى لتزايد قوة الأطراف كلما ابتعدت عن دائرة المنتصف، وهو ما بدا جليا من نتائج حزب النور السلفى (حصل على 24.4% من إجمالى الأصوات، أى أكثر من ضعفى نسبة تأييد المشروع السلفى سياسيا) مقارنة بحزب الحرية والعدالة (حصل على 36.7% من إجمالى الأصوات، أى أكثر قليلا من ضعف نسبة التأييد السياسى للإخوان)، فيما حصلت الكتلة المصرية حديثة العهد بالسياسة فى الجهة المقابلة على 13.4% من أصوات الناخبين، كما يؤدى هذا الاستقطاب لتناقص قوة الأطراف كلما اقتربت من المنتصف، وهو ما يظهر فى نتائج حزبى الوسط (حصل على 4.3%) والوفد (حصل على 7% من الأصوات مقابل نسبة تأييد أعلى قليلا بلغت 9%) على سبيل المثال، كما يظهر فى النسب المنخفضة التى حازتها قوى لها وجود حقيقى بين الثوار، مثل ائتلاف الثورة مستمرة الذى حاز 3.45% من إجمالى أصوات الناخبين، على أن عنصر الاستقطاب ليس الوحيد فى تحديد اتجاهات التصويت بكل تأكيد، فثمة عناصر أخرى توثر فى ذلك منها الوجود المجتمعى الفعلى للتيارات المختلفة فى الشارع.

 

والصعود على أساس الهوية (حصلت أحزاب الحرية والعدالة، والنور، والوسط مجتمعة على 65.3% من الأصوات) لن يجعل الإسلاميين كتلة واحدة فى البرلمان، إذ ستختلف مواقفهم إزاء القضايا المطروحة وفق ثلاثة معايير، هى الخبرة السياسية، والاعتدال الدينى، والتوجه السياسى والاقتصادى، ومساحة التمايز بين التيارات الإسلامية فى الشق الاقتصادى من المعيار الثالث تبدو أقل منها فيما عداه، وتلك التباينات كافية فى كل حال لخلق ديناميكية تساهم فى تطوير تلك الكتل إلى ألوان سياسية متعددة، ومسئولية هذا التطوير تقع على الإسلاميين (خاصة أصحاب الخبرات الأكبر) وعلى التيارات الأقل حجما فى البرلمان التى ينبغى أن تساعد فى تجاوز صراع الهوية، وأن تدفع بالبرلمان إلى حوارات أكثر جدية تتناول مشكلات مصر المتعلقة بكرامة أبنائها وحرياتهم ومعيشتهم اليومية، وهى لا تنفصل بحال عن دور مصر الإقليمى ومسئولياتها تجاه محيطها الإقليمى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved