الفطام

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 11 يناير 2017 - 9:49 ص بتوقيت القاهرة

على مدى عقود تمت تربية المجتمع فى السعودية على الاستهلاك المفرط، والتشجيع على ذلك كان حاضرا بقوة عدم اتخاذ موقف «حكومى» من ضخ الإعلان التجارى بصنوفه المتعددة، بل إن الحكومة سايرت وقادت أحيانا هذا وشجعت عليه بطرق غير مباشرة سواء فى أساليب الصرف أو التغنى بالأرقام الضخمة للمشاريع كدليل على القدرة والريادة والطموح! حتى أصبح الاستهلاك من حيث النوع والكم مقياسا للقيمة الاجتماعية كما هو مقياس للقدرات التنموية، وهكذا صارت المظاهر بلمعانها الموقت الدليل المتوافر لتتبع طريق الصدارة.

ترك الحبل على الغارب ولم ينشأ سد واحد للوقوف بوجه طغيان الترغيب والحض على الاستهلاك، حتى أصبح واقعا مرا لا يمكن الفرار من السقوط فى قيعانه.

بعد هذه العقود من التنشئة والتربية نحن أمام تغير حاد وجاد تقوده الحكومة هذه المرة وبقوة، فمن تقزيم الدخل بالاقتطاعات إلى فرض الرسوم المختلفة سيكون تغيير نمط الاستهلاك المفرط خيارا وحيدا، فلا مجال هناك لخيار آخر، والمسألة تتعدى الكماليات إلى الأساسيات إذا ما وضعنا فى الاعتبار الكهرباء والماء والبنزين وتوابع رفع رسومها سواء المباشرة وغير المباشرة. وهذا لا شك مؤلم، خصوصا لأصحاب الدخول المتناقصة. ولم يعد هناك مجال لاستخدام مصطلح الدخل الثابت، لأن الثبات هنا انتفى.

وعلى رغم أننا دخلنا الطريق الجديد برفع الرسوم ومزيد من الرفع المتوقع قريبا لا نرى تغييرا فى تعامل الأجهزة الحكومية تجاه ضخ الترغيب على الاستهلاك، بمعنى أن السبب الذى أدى إلى هذه النتيجة وهو من جملة أسباب إلا أنه سبب رئيس، باق على قوته. وهو ما سيزيد من صعوبة محاولة أصحاب الدخول المتناقصة التكيف مع واقع جديد لا تُعرف لحظة الانعتاق منه. من جملة ما يفتقد هنا ومن مسئوليات الأجهزة الحكومية بثوبها الجديد هو الإرشاد، فمن غير الكافى مطالبة الناس بتغيير عاداتهم الاستهلاكية التى نشأوا عليها ــ من دون اختيارهم ــ لسنوات طويلة، خصوصا جيل الشباب، بل لابد من تعليمهم كيفية ذلك وفتح طرق البدائل سلوكيا لخفض أعباء الفواتير المتوالدة ومواجهة صدمة الفطام.

عبدالعزيز السويد

الحياة – لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved