فجر يوم جديد
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 10 يناير 2020 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
شاهدت هذا الفيلم وأنا فى سن الرابعة عشرة، وأعترف أننى وقعت فى غرام بطلة الفيلم سناء جميل، وتمنيت أن أعيش كى أحب مثل هذه المرأة الناضجة، كما أعترف أن الزمن بالنسبة لعلاقتى بالممثلة توقف عند هذه المرحلة رغم جميع أدوارها التى جسدتها طوال سنوات عمرها الباقية، إنه «فجر يوم جديد» أخرجه يوسف شاهين عام 1964، وشاركت فى بطولته، فى أدوار صغيرة، مجموعة من الممثلين على رأسهم المخرج نفسه، وحمدى غيث، وزوزو ماضى، وحسن البارودى، ومديحة سالم، أما البطولة المطلقة فهى لسيف الدين عبدالرحمن فى أول عمل سينمائى له، وهو فى الفيلم الطالب الجامعى، طارق، البالغ من العمر الثانية والعشرين، الذى يقع فى حب السيدة ليلى أبو العلا التى تكبره بعشرين عاما، فى واحدة من قصص الحب المستحيل، تم إنتاج الفيلم فى واحدة من أبرز فترات النشاط الاجتماعى لثورة يوليو، ومن هنا جاء اسم الفيلم المباشر أو فلنقل الإنشائى مثلما جاء أسلوب الميثاق، وأيضا مقالات الصحفى فى الفيلم الذى يقتبس أغلب عباراته من الكتاب السياسى «الميثاق». إنها الفترة التى كان فيها الهم السياسى الأول فى مصر هو الكلام عن الميثاق، الذى اعتبره رجال السياسة والصحافة بمثابة النص المقدس الذى يجب اتباع تعاليمه، ورأينا الزوجة ليلى تلجأ للعمل فى الصحافة فى المؤسسة التى يعمل فيها أخوها الذى يبالغ فى الإعجاب بالميثاق؛ حيث عنوان الفيلم فإن فجر اليوم الجديد يعنى اليوم الذى صدر فيه الميثاق على المستوى الوطنى، والأخ حسين يعلن أنه أحد المؤمنين بالميثاق.
ينقسم الفيلم إلى عدد من المراحل تكون ليلى هى الشخصية المحورية، بدءا من الحفل الصاخب الذى أقيم فى بيت ليلى وزوجها إلى أن تلتقى بطارق، وتتجول معه فى المدينة بعد أن قضت معه ليلة فى غرفته بأعلى السطح، وهى التى ترافقه طوال ثلاثين يوما غاب فيها الزوج، والغريب أن الخلاف بدأ يدب مع أخيها منذ اليوم الأول لتسلمها وظيفة مترجمة فى الصحيفة.
نحن أمام فيلم سياسى فى المقام الأول وليس فقط من خلال مواقف الصحفى حسين الذى يؤمن بالميثاق، وهو فى خلاف مع رئيس التحرير، الذى يمثل الجيل القديم، كما أننا أمام الفيلم المصرى الوحيد الذى تم تصويره داخل سلالم برج القاهرة حين يقرر العاشقان صعود سلالم البرج وعددها ألف درجة لأن المصعد فى عطل، وزار العاشقان البرج أكثر من مرة، وفى المرة الأخيرة قبل الفراق كانت هناك مشاهد كثيرة من بين أدوار البرج تصور شكل القاهرة فى ذلك العهد الجديد؛ حيث تتكرر عبارة «العهد الجديد» على لسان الصحفى أكثر من مرة وتبدو القاهرة فى زمن الميثاق مشرقة تماما
فى أثناء مشاهدة الفيلم تتبعت صورة الطفل فى سينما يوسف شاهين؛ حيث لم تخل أفلامه من وجود الأطفال الذين يلعبون أدوارا مهمة مثلما حدث فى «ابن النيل» و«العصفور»، و«حدوتة مصرية»، وفى فيلمنا اليوم فإن هناك طفلا ينتمى إلى مؤسسة الأيتام، موجود فى حياة ليلى، ابتداء من الحفل الخيرى فى بداية الفيلم حتى مشهد الوداع فى محطة القطار فى المشهد الأخير، أنه يظهر فى الوقت المناسب كأنه ظلها أو ضميرها الذى يقوم بتنبيهها إلى ما تفعله، إنه يزورها فى الأحلام والكوابيس، حتى إذا عثرت عليه تركت كل شىء من أجله، ومن خلال عناقها له، فإنها تقر الدخول إلى فجر جديد يختلف عن الفجر الذى دخلته مع حبيبها الذى يصغرها بعشرين عاما.
أما الطفل الثانى فإننا لم نره بشكل مباشر بقدر ما عرفنا حكايته، إنه حفيد الخادم العجوز فى الدار، الذى لم يقبض مرتبه منذ عدة أشهر، وصاحب البيت لا يهتم أن يعطيه المرتب قدر اهتمامه بإقامة الحفلات المليئة بالبذخ، حتى يموت الطفل لعدم توفر ثمن الدواء، ولا شك أن ما حدث لهذا الطفل الفقير كان المنبه الرئيس إلى ليلى كى تهتم بالطفل الآخر.
قلنا إننا أمام الفيلم الوحيد الذى قامت ببطولته سناء جميل بعد أربعة عشر عاما من الأدوار الصغيرة التى لم تترك أثرا فى مسيرتها عدا دور تفيسة، ويبدو أن ذلك جعلها تقوم هنا بدور المرأة التى وصلت إلى منتصف العمر وتقع فى غرام شاب يصغرها كثيرا، وهو الدور نفسه الذى أسنده إليها المخرج حسين كمال فى فيلمه الأول «المستحيل» فى العام التالى، فهى تبلغ منتصف العمر أيضا، وتقع فى غرام المحامى حلمى وعندما تفترق عنه تجد ملاذا فى علاقات مع شباب يصغرونها كثيرا ويتمتعون بفحولة ووسامة.
على كل مهما اختلفنا مع ما جاء فى الفيلم، وسواء أعجبنا به أم لا، فهو واحد من الأفلام التى تستحق الجدل الطويل.