صراع الكواليس.. تحالف أمريكي بين الفلول والإخوان لضرب السيسي

إيهاب عمر
إيهاب عمر

آخر تحديث: الخميس 10 أبريل 2014 - 9:55 ص بتوقيت القاهرة

منذ أن أسقطت ثورة 30 يونيو 2013 النظام الإخواني، والعاصمة الأمريكية تشهد زيارات منتظمة لرجالات التيار الإسلامي، ولا ينافسها على المستوى فى كثافة اللقاءات والمستوى الرفيع للاتصالات إلا رجالات لوبى التوريث، ذلك المشروع السياسي الذى دمر مصر لمدة عشر سنوات قبل ثورة 25 يناير 2011.

بينما التواصل الحكومي الرسمي خافتًا، برغبة حكومية أمريكية خالصة، ينتعش التواصل الأمريكي الرسمي مع أهم فئتين خدمتا الأجندة الأمريكية لتدمير الدولة المصرية، وتصفية اقتصادها وقطاعها العام، وتشريد شعبها وجعلهم مجرد سلعة فى سوق العولمة الأمريكية، لا عجب أن يهرول كلا الفريقين كل على حدة إلى واشنطن لتقديم قرابين الولاء والطاعة من أجل حجز الدعم الأمريكي للمرحلة الجديدة المقبلة.

فالدولة المصرية سوف تنال نظاما سياسيا جديدا ولا مشكلة فى محاولة إنتاج نسخة معدلة مما سبق، لوبى التوريث برجاله "النيوليبراليين" على استعداد لاستكمال المهمة دون أن يكون هنالك توريث، فالوريث أصبح كارتا محروقا. ويكفى أنهم "نيوليبراليون" عن أى فريق آخر فى مصر اليوم وهو المطلوب أمريكيًّا.

أما التيار الإسلامي، فيراهن على العشق والهوى الأمريكي اليوم للتيار الإسلامي، من أجل تصدير إرهاب الإسلام السياسي إلى الداخل الروسي عبر بوابات الشيشان وأنجوشيا وداغستان، بل وربما عبر تتار القرم، الجمهورية الروسية الجديدة، فى تكرار لسيناريو إشعال أفغانستان المجاورة للاتحاد السوفيتي وتركيع الدب الأحمر فى سنوات الحرب الباردة الأخيرة.

وأمريكا اليوم بحاجة إلى الفريقين، بحاجة إلى سيطرة الإسلام السياسي على دولة بحجم مصر حتى تصبح منصة إطلاق قوية لعناصره ورجاله إلى الداخل الروسي والصيني لاحقًا عبر تركستان الشرقية، واستكمال المهمة فى سوريا، بل وفض الوفاق المؤقت مع إيران والبدء فى تصدير الإرهاب إلى أراضيها عبر بوابة الأهواز غربًا وبلوشستان شرقًا، حيث الحدود الإيرانية – الباكستانية المشتركة، وحيث المعسكرات السعودية التى ترسل باستمرار عناصر جهادية إلى الداخل الإيراني، وقاموا بعمليات ناجحة فى آخر 24 شهرا، وكان آخرها اختطاف خمسة جنود إيرانيين.

الساحة فى الدول المعادية للعولمة الأمريكية وللاقتصاد الأمريكي فى شوق ولهفة للإسلاميين، وأمريكا على استعداد لتمويل كل شيء، والإسلاميون على استعداد لتقديم كل شيء مقابل الحكم والسلطة، تبقى فقط إزاحة آثار ثورة 30 يونيو 2013 من أجل استكمال المهمة التى بدأها الرئيس السابق محمد مرسي.

ولكن لماذا يحتاج لوبى التوريث لتأييد أمريكا؛ بينما أقوى المرشحين اليوم هو وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي؟

فى الواقع، إن هذه الفكرة بعيدة عن حقائق الأمور التى جرت على أرض مصر منذ فجر 25 يناير 2011 وحتى اليوم، أخطأ الكل تقريبًا حينما ظن أن كافة المجموعات السياسية داخل الدولة والنظام قبل 25 يناير هم فريق واحد أطلق عليه إعلاميًّا الفلول دون أن يحاول أحد إرهاق نفسه بتفكيك هذا المشهد، تمامًا مثل الذى يظن حتى اليوم أن ميدان التحرير فى يناير وفبراير 2011 هو كتلة سياسية واحدة تنتمي إلى تيار سياسي واحد.

والحاصل أن الفريق الموالى لمبارك الابن تحديدًا لديهم عداء مع رجالات المؤسسة العسكرية بل والمؤسسة العسكرية ذاتها، وينظرون إلى الجيش باعتباره متواطئًا مع (نكسة 25 يناير) وهم أول من صدق شائعة الانتماء الإخواني لعبد الفتاح السيسي يوم اختياره وزيرا للدفاع فى عصر الرئيس السابق محمد مرسي، وظلوا ينتظرون له بارتياب إلى أن ألقى بنفسه خطاب تنحية الرئيس السابق.

بل إن بعضهم ينظر إلى السيسي والجيش باعتبارهما سرقا ثورة 30 يونيو منهم، وبالتالى فأن فكرة أن كافة رجالات أو أجنحة نظام مبارك مع الجيش أو السيسي ليست بالفكرة الصحيحة، والحاصل –بوضوح شديد– أن هنالك جوقة من رجال الأعمال "النيوليبراليين" لديهم جناح سياسي قوي وجناح أمني أيضًا ضد هذا التوجه، توجه أن يتولى الرئاسة شخصية عسكرية ترفض فكرة بيع القطاع العام قطعة قطعة، ويخشون من القرارات السياسية والاقتصادية التى يعلمون جيدًا أنها فى أدراج مكتب المشير حال توليه الرئاسة من أجل تقوية اقتصاد الدولة.

هذه المصطلحات والأفكار والقيم مرفوضة بالنسبة لهم تمامًا، فقد ارتزقوا من ضعف الدولة وتلاشى مركزيتها، وأصبحت فكرة وجود رئيس من المؤسسة العسكرية معقل الوطنية المصرية فكرة تؤرق مضاجعهم.

ورغم رفضهم لما يطلقون عليه نكسة 25 يناير، إلا أن لديهم استعدادا للقبول بتفاهمات ربيع القاهرة عام 2005، تلك التفاهمات التى أبرمتها شلة التوريث مع الإخوان المسلمين عشية انتخابات مجلس الشعب 2005، صحيح أن تنفيذ تلك التفاهمات أتى هزليًّا، واضطرت الدولة لاستخدام المطرقة الأمنية فى الجولة الثانية والثالثة لصد الهجمة الإخوانية، ولكن فى المطلق ترى واشنطن أن تلك التفاهمات صالحة اليوم لبناء تحالف جديد بين "النيوليبرالين"- بجناحهم السياسي والأمني الرافض للسيسي وهيمنة الجيش على القطاع العام وإعادة بنائه على أسس وطنية- والتيار الإسلامي الذى يجب أن يكون حاضرًا فى صدارة المشهد المصري، من أجل تحويل دولة بتاريخ مصر إلى مجرد منصة إطلاق لإرهاب الإسلام السياسي إلى جوف إيران وروسيا والصين.

التحالف الأمريكي الجديد لن يترك الكعكعة تذهب إلى المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، وقد قامت الإدارة الأمريكية بوضع تصور لكيفية التعاون بين "النيوليبراليين" أنصار مشروع التوريث سابقًا والإسلاميين على ضوء تقييم تجربة الإسلاميين خلال حكم محمد مرسي، وتم التوصية بضرورة إسناد المهمة إلى رجالات التنظيم الدولى داخل مصر واستبعاد أفكار ورجالات الصف الأول لما تبقى من التنظيم المحلى الذى دمرته السلطات المصرية.

يذكر أن القرار الأمريكي يعتبر حاسما لصراع جرى بين التنظيم المحلى الذى طرح محمد مرسي فى الانتخابات الرئاسية السابقة أمام عبد المنعم أبو الفتوح مرشح التنظيم الدولى، والقرار الأمريكي بتسليم التنظيم الدولى ملف الإسلاميين فى مصر بالكامل قد يخلق بعض المشكلات بين الإسلاميين فى مصر ما بين مؤيد ومعارض للفكرة.

.........

ولكن متى يخرج هذا التحالف للأضواء؟

التفاوض اليوم يجرى حول توقيتين، الأولى خلال الأيام القليلة المقبلة، عبر مرشح يخوض الانتخابات الرئاسية، يصعد بأصوات الإسلاميين المكثفة لجولة الإعادة مع عبد الفتاح السيسي، ثم تبدأ متتاليات عصر الليمون وبروتوكولات نشطاء "فيرمونت"، وهذه النسخة سوف تكون أكثر اكتمالا من هزليات التنظيم المحلى، إذ سوف يعد المرشح الأمريكي بمجلس رئاسي، أو إسناد رئاسة الوزراء لشخصية لها شعبية بين صفوف عاصرى الليمون، وسوف يتم تقسيم الكعكعة مبكرًا بشكل واضح وصريح وبضمانات مباشرة، ما يسهل على عاصرى الليمون تجرع مرارة التجربة الأولى، والهرولة لتكرارها، ظنًا منهم أن النتيجة سوف تكون مختلفة.

يتم اتخاذ شباب الثورة وعاصرى الليمون مجرد جسر للرئاسة ، مع أول انتخابات برلمانية مقرر عقدها عقب الانتخابات الرئاسية ببضعة أشهر، يصعد "النيوليبراليون" جنبًا إلى جنب مع الإسلاميين فى مجلس الرئاسة والوزراء.

السيناريو الثاني، هو أن يترك انتخابات الرئاسة للمشير عبد الفتاح السيسي، على اعتبار أن منصب رئيس الجمهورية مهما كان فهو بحكم دستور 2013 المعدل باستفتاء يناير 2014 ذو صلاحيات أقل مقارنة برئاسة الوزراء المقرر تسمية كبيرها عبر انتخابات البرلمان خلال العام الجاري، وبالتالى يجب التركيز على انتخابات مجلس النواب من أجل أن يحصل على الأغلبية التحالف الأمريكي الجديد، من أجل أن يقطع الطريق أمام الرئيس ويجعله رئيسًا شرفيًّا مثل ألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول التى يكون رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي.

أنصار السيناريو الثاني يرون أنه أكثر فاعلية من السيناريو الأول، لأنه فى تلك الحالة سوف يقطع البرلمان الطريق على الرئيس لتعديل الدستور، خاصة فى ظل المعلومات المتوفرة بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي سوف يقوم بتعديل دستوري يعيد مصر إلى النظام الرئاسي ويعيد منصب نائب رئيس الجمهورية وهى تعديلات مرفوضة إخوانيًّا وأمريكيًّا أيضًا.

وهنالك فريق ثالث يرى حتمية التجربة فى الجولتين، عبر النزول فى انتخابات الرئاسة ثم البرلمان، وعدم الرهان على جولة دون أخرى.

الدولة المصرية وأجهزتها لديهم تصور كامل لكل تلك المعلومات والسيناريوهات، فى ظل استيعاب الأجهزة الوطنية للفخ الذى جرى فى انتخابات الرئاسة 2012، وفى ظل سعى الدولة لعدم تكراره، ولكن يظل التخوف الوحيد هو قدرة الجناح الأمني "للنيوليبراليين" فى استغلال الضغط الدولى للعب نفس اللعبة التى أدت إلى ظفر مرسي بالرئاسة المصرية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved