عاشت صحافتهم.. ماتت صحافتنا

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 10 أبريل 2016 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

فى ربوعنا، وصل التفجع على الصحافة إلى ذروته، وللمآتم التى نقيمها، أسباب وجيهة، إذ الكائن الذى نبكيه موغل فى موته. لكن فى الوقت ذاته، وهنا المفارقة، تعيش الصحافة فى العالم، من خلال «الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين»، عرسا غير مسبوق.

ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن «أوراق بنما» ووثائقها المليونية قد ترقى إلى أكبر انتصارات «السلطة الرابعة» فى تاريخها. ففى النتائج المباشرة، استقال رئيس حكومة أيسلندا سيغموندور غونلاوغسون الذى تلطخت سمعته، وثمة زعماء فى مشارق الأرض ومغاربها اهتزت صورتهم.
وبدورها فإن بنما سوف تغير قوانينها فى استقبال المال، كما تولت الشرطة السويسرية تفتيش مكاتب «يويفا»، مقر اتحادات كرة القدم فى أوروبا. أهم من هذا كله ومما يشبهه من أحداث، أن الزلزال الإعلامى قد يطيح نظام التهرب من الضرائب وفراديسه وملاذاته. وهذا، فى حال حصوله، إنما يرقى إلى انتصار تاريخى لما هو مُحق وعادل على هذه الأرض، بحيث تسيطر الدول على ثروات هائلة يمكن أن يعاد توظيفها فى فرص عمل جديدة وفى مكافحة الفقر والاستثمار فى العلوم والتقنية.

فقد يكفى القول إن حجم التهرب الضريبى فى بريطانيا وحدها يتعدى الـ 12 بليون دولار سنويا، فيما تدلنا ظاهرات نعيشها اليوم كـ«داعش» الأوروبى أو دونالد ترامب الأمريكى إلى خطورة ترك الأمور على غاربها، بما يعزز الفقر ويوسع الهامشية واليأس بقدر ما يضيق قاعدة المستفيدين من الديمقراطية السياسية، مفرغا الأخيرة من معانيها ودلالاتها.

نعم، استطاعت الصحافة فى العالم أن تحقق هذا الانتصار على مقربة منا ومن السرير الذى احتضرت صحافتنا فيه. والفارق لا يقتصر على المقارنة بين إعلام ورقى وآخر إلكترونى، على أهمية الفارق هذا. فإلى ذلك، ثمة اختلافات أخرى فى الملكية كما فى المضمون.

فوزارات الإعلام والملكية الرسمية وشبه الرسمية التى تمجد الحاكم، مثلها مثل المضمون المتخلف الذى لا يزال يتباهى بـ «أسرار» وبـ «أخبار» باتت تتقيأها التليفونات المحمولة، وبما قالته «المصادر العليمة»، أو ذاك الذى لا يزال يحتفى بزعيم أوْلمَ لزعيم، هى كلها عملات مطرودة من سوق التداول الإعلامى الناجح والمطلوب والذى يستطيع أن يؤثر فى مجريات الواقع.

كذلك، ومن موقع آخر، فقدت جاذبيتها صحافة التعبئة والتحريض والنفخ، وذات مرة سمى لينين الجريدة «منفاخا»، لا لأن الطوائف والجماعات تجاوزتها، بل لأنها باتت تنتجها تلقائيا، وكامتداد آلى لوجودها، من دون حاجة إلى «طليعة» إعلامية تنتجها لها.

والحال أن الإعلام الراهن اليوم اثنان: تحقيق استقصائى يرينا ما وراء الحاجب السلطوى على تعدد أشكاله، ومقال رأى يأتى بجديد ما فى تأويل الخبر المطروح على قارعة الطريق. وهذان لئن كانا فى الإعلام العربى، الأكثر تعرضا للحصار والتضييق، خصوصا فى ظل التبعية المتبادلة بين المال والسلطة، فهذا ليس عذرا كافيا لاستسلام استباقى. ففى بلد كلبنان مثلا، لا تزال ثمة فسحة نسبية لرصد الخطأ والارتكاب تحول دونها، فى البلدان الأخرى، الحروب المفتوحة والآراء الحاكمة الواحدة. وتلافيا لشمول الموت وسطوعه، تُستحسن المحاولة فى كل أنملة لا تزال تتيحها الحرية.

الحياة ــ لندن

حازم صاغية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved