ليس لفلسطين إلا دمها..

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 10 أبريل 2018 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

الجامعة مقفلة والقمة مشغولة بغيرها

لم يتبق من الحلم العربى فى الوحدة والتقدم والقدرة على صنع الغد الأفضل إلا هذه الانتفاضة اليتيمة فى فلسطين.
انصرفت الأنظمة العربية، بملوكها النفطيين ورؤساء بلادها الفقيرة والأمراء المن غاز، عن فلسطين وقضيتها المقدسة.
كذلك انفض عقد العرب بأحزابهم ذات التاريخ، ودولهم التى طالما بذلت جيوشها دماء فتيتها الأبرار على أرضها الطاهرة، اندثرت الأحزاب ذات شعار «الوحدة والحرية والاشتراكية» أو «أمة عربية ذات رسالة خالدة» أو «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.. لبيك عبدالناصر»..
سقطت الأحزاب والجبهات القومية التقدمية على أعتاب السلطة.
تاجرت الأنظمة بالشعارات ذات الرنين المقدس.. وحكم الضباط غير المؤهلين عقودا طويلة استنزفوا خلالها البلاد والعباد، فأفقروا أهلها، أبطالا وشهداء التحرير وذويهم، وشردوهم فى أربع رياح الأرض، وأعادوا البلاد إلى أحضان القوى الأجنبية المهيمنة، بالاقتصاد وأسباب التقدم، والعسكر، إذا لزم الأمر.
أين فلسطين من ذلك كله؟
بعد سبعين عاما على النكبة لم يتبق لفلسطين إلا فتيتها الأبرار، بعنوان عهد التميمى.
وها هى الأنظمة العربية، التى قام معظمها باسم فلسطين وعلى حسابها، تتبارى فى التنصل من أثقال القضية المقدسة، إلا فى باب المزايدة والمناقصة بين الأنظمة المعنية.
بل إن بعض هذه الأنظمة «يتبرع» بتقديم «حلول وسط» هى، عمليا، تنازلات فعلية عن جوهر القضية المقدسة..

***

يا لوحدكم...
ها هم فتية فلسطين، صبايا الورود وشباب الأمل، ينزلون وحدهم إلى الحد الفاصل بين جانبى القلب، غزة والضفة، يندفعون بقوة حقهم فى أرضهم، لا يملكون من السلاح إلا حجارتها فى مقابل دبابات العدو وصواريخه وطائراته.. يقذفون بها جنود الاحتلال عن بعد، فيردون عليهم بالرصاص القاتل.. ويتساقط الشهداء والجرحى فيحملهم رفاقهم على أذرعتهم إلى أقرب منزل، بينما يكمل الآخرون مقاومة الاحتلال المدجج بالسلاح بصرخات الغضب وتأكيد حقهم فى أرضهم.
لا أحد يهتم بأعداد الشهداء، لا العدو الإسرائيلى طبعا، ولا الرأى العام العالمى، ولا عواصم القرار العربى التى يتزاحم ملوكها والرؤساء والأمراء والوزراء على أبواب « مركز القرار» فى واشنطن، ودائما بالشراكة مع إسرائيل.
بل إن الإذاعات، مرئية ومسموعة، والصحف، رسمية وخاصة، لم تعد تجد «سبقا» فى هذه الأخبار المتكررة والمعتادة، ولم تعد تجتهد فى إرسال المندوبين أو المراسلين، بل تكتفى بإيراد ما تبثه وكالات الأنباء الأجنبية بصورة مجتزأة، وأحيانا بلا صور، ومن باب القيام «بالواجب المهنى» وليس بدافع «الواجب الوطنى» أو القومى.
أما واشنطن فلم تجد ما تقوله إلا توجيه «النصح» للمتظاهرين بالابتعاد عن الحدود.
لم تخرج تظاهرة دعم لحق الفلسطينيين فى أرضهم، بل حقهم فى الحياة، فى أى بلد عربى.
لم تقطع أية دولة عربية لها علاقات مع دولة العدو علاقاتها بها، بل لم تقدم أية دولة على سحب سفيرها استنكارا وإعلانا للتضامن مع الشعب الفلسطينى، بغض النظر عن شرعية هذه العلاقات مع العدو فى ظل احتلاله وبطشه وجرائمه اليومية المتمادية عنفا وفتكا

***

مجلس الجامعة.. يستفيق متأخرا
كيف لنا أن نطالب العدو بما لم يقدم عليه الأشقاء؟
لنتذكر أنه خلال هذه المواجهات الدموية الشرسة بين السيف والجرح وقف على باب البيت الأبيض أكثر من رئيس وأمير ووزير عربى، وتحادث أكثر من ملك ورئيس عربى مع سيد الكون دونالد ترامب.. لكن أحدا منهم لم يذكر فلسطين بكلمة، ومن تجرأ فذكرها اشفع ذكرها بالمساواة بين القاتل والضحية، مؤكدا أن للإسرائيليين فى فلسطين الحقوق ذاتها التى للفلسطينيين، باعتبارهم «شركاء» شراكة السيف والجرح.
لا أحد يملك مشروعا سياسيا، أو يجتهد لصياغة مشروع ينهى المذبحة أو يخفف من آثارها المأساوية..
طبعا، لا أحد يفكر بدعم «المقاومة»، المدنية الآن، والسلمية، ولو ببيان تعاطف، أو بتصريح رسمى «يلوم» فيه العدو الإسرائيلى، ولا نقول «يدينه» ويطالب بوقف المذبحة وإلا...
ومضحكة هى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الذين بالكاد يتذكرون قضية فلسطين، التى كانت ذات يوم «مقدسة» تاركين مهمة الاستنكار والشجب والإدانة للأمين العام.
أما ما هو محزن فهى أن ترفع هذه القضية إلى القمة العربية المقبلة المقرر عقدها، هذه الأيام، فى الرياض، التى يعود ولى عهدها بعد زيارة الاستعداد لتولى العرش والتى شملت واشنطن ومعظم مدن الابتكارات الجديدة وتحديث علوم الكمبيوتر، وقواعد الترسانة الحربية الأمريكية بالطائرات والمدمرات وحاملات الطائرات وقواعد الصواريخ بعيدة المدى.. التى سوف يشتريها لمقاتلة إيران وليس إسرائيل، التى اكتشف أن لنا بيهودها علاقات حميمة عبر التاريخ.

***

كلهم مشغول عن فلسطين..
مصر مشغولة بانتخاباتها الرئاسية ومشكلاتها الاقتصادية، وليبيا قد زالت عن الخريطة السياسية للمنطقة، وتونس تعيش ذروة الصراع بين الديمقراطيين والإسلاميين والمستغربين من شعبها، والجزائر منشغلة بانتقال السلطة، والمغرب يحرص على علاقات مقبولة بالكيان الإسرائيلى لأن له «جالية» كبرى من يهوده فيها، وفى الأيام الأخيرة جاء إليها بعض الوزراء المغاربة للاطمئنان إلى أحوالهم، واغتنموا الفرصة للتبرك بزيارة المسجد الأقصى.
أما سوريا فما تزال غارقة فى دمائها نتيجة الحرب فيها وعليها، وقد شغل الأتراك طرفا محاربا فاحتلوا مناطق على الحدود السورية ــ التركية (عفرين وجوارها)، وتركوا لقوة الاحتلال الأمريكية أن تتقدم نحو منبج (دعما للأكراد)، بينما شهدت أنقره قمة ثلاثية جمعت إلى تركيا أردوغان روسيا بوتين وإيران روحانى، للاتفاق على مستقبل سوريا!!.. علما بأن القوات التركية تطارد، أيضا، أكراد العراق فى منطقة سنجار إلخ..
من لفلسطين فى هذه الفوضى الدموية التى تعصف بالوطن العربى؟!
من لفلسطين غير فتيتها الأبرار المزودين بحجارة أرضهم المباركة وإرادتهم الجبارة وإيمانهم الراسخ بحقهم فى وطنهم الذى كان دائما وطنهم والمهدد الآن بالضياع فى قلب المؤامرات والتنازلات، عربيا وفلسطينيا؟
لك الله يا فلسطين.. ليس لك إلا دمك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved