قدرنا فى ليلة القدر

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 10 يوليه 2015 - 11:05 ص بتوقيت القاهرة

ــ1ــ
انقضت أغلب أيامه ولياليه، ولم يتبق من رمضان غير تلك الساعات المعدودات التى تحتضن فى جوانحها ليلة القدر، تلك الليلة التى سميت باسمها سورة من سور القرآن «سورة القدر». وهى كما تصرح الآيات ليلة خير من ألف شهر. خير من ألف شهر فى العمل والإخلاص والعبادة؟ لا مانع، فإن المكافىء هو خير الحاسبين. أم أنها خير من ألف شهر فى البركة فمن صادفها منحته الأقدار بركة فيما يتبقى من عمره فينجز فيها ما ينفعه وما يصلح شأنه ويعوض فيما بقى أكثر مما فاته من عمره.

أم أنها ليلة القدر تلك الليلة التى أخرجت العالم كله من الظلمات إلى النور.. إنها الليلة التى تزل فيها الوحى على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الوحى يعرف الإنسانية بربها. فهو الأول والآخر جل جلاله، وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.. وهو خالق الكون وسكانه ورازقهم فهو سبحانه بكل شىء محيط. وهو جل جلاله على كل شيء قدير، وهو القاهر فوق عباده حتى يردع المتجبرين ويطمئن المستضعفين، وهو جل جلاله واسع الرحمة، وهو الغنى ذو الرحمة أو هو ذو رحمة واسعة. وهو الذى كتب على نفسه الرحمة، ورحمته جل جلاله قد وسعت كل شيء.

ــ2ــ
والوحى الذى جاءنا فى ليلة القدر قد أعاد للإنسان قدره واحترمه، فها هو الإنسان يتأكد أن الله قد كرمه ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ..)). ويفرح الإنسان حين يعلم أن الملائكة قد سجدت تكريما لأبينا آدم، أى أن الله قد أخبرنا أننا –معشر البشرــ أحب إليه من الملائكة إذا التزمنا الطاعة وأنجزنا ما كلفنا به من إعمار الدنيا وتذكره جل جلاله وحمده وشكره.

ــ3ــ
والوحى الذى جاءنا فى ليلة القدر وحى خاتم قد يهيمن على ما سبقه من الوحى، فأعاد ذكره وزاد عليه ما يجعله صالحا مصلحا لكل المخلوقات حتى يوم الدين. فما أنزله الله فى صحف إبراهيم وفى توراة موسى وزابور داود وإنجيل عيسى قد حواه القرآن فحفظه من الضياع وصانه من التحريف وأكد على أخوة جميع الموحدين بقدر توافقهم وتقاربهم مع هذا الوحى الجامع.
فهذا تاريخ النبوة يتجلى فى آيات كثيرة يحرص القرآن على بيان ((..لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ..)) فالجميع رسل وأنبياء مبلغون.

ــ4ــ
والوحى الذى نزل فى ليلة القدر ما زال منيرا يعلم البشرية أصول الاجتماع الإنسانى حينما يقول ((وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا..)). كما يلقن البشرية رسالتها الدائمة تلقينا واضحا ((..هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..))، فرسالتنا الإعمار وهو جل جلاله لا يحب الفساد ولا المفسدن. ونقرأ التعاليم الإلهية التى تأخذ بأيدينا إلى النجاة ((كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)). فالإنسان إذا امتلك شيئا فهو من عطاء الله، لا ينبغى أن يتكبر على عباد الله ولا أن يسيء التصرف فيما منحه الله من أموال.

ــ5ــ
والوحى الذى جاءنا فى ليلة القدر جعل قدر الإنسان فوق أقدار جميع المخلوقات. كيف لا والمال الذى تقدر به الأشياء لا يساوى مهما بلغت قيمته إنسان فرد، فالإنسان هو الذى يصنع المال، والمال لا يصنع إنسانا، بل إن الحياة كلها لا تساوى عند خالقها حياة إنسان فرد، فهذا الوحى يؤكد ((..مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا..)).

فانظر قدر الإنسان عند ربه، واحرص على أن تبقى عالى القدر عند ربك حتى يرفع قدرك فوق جميع المسخرات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved