الفقه الإسلامى والعلاقات الدولية

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 10 أغسطس 2012 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

 

ــ1ــ

 

اتفقنا أن «السلام» هو الأصل الإسلامى لحياة المسلم سواء مع نفسه أو أسرته أو مجتمعه وقطره وأمته وكذلك مع سائر البشر والبلاد الأخرى، فالسلام هو الأصل لاريب، كما يبين القرآن الكريم.

 

غير أن قراءة النصوص الصحيحة لـ«السيرة النبوية» قد توحى للبعض ببعض الوهم فيتصور أن النبى (ص) قد بادر بغزو أقوام فى بلادهم ليفرض عليهم الإسلام دينا لهم، كذلك فمجرد القراءة غير المتدبرة للحديث النبوى الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»، تضيف وهما يقوى زعم اتهام الإسلام بأنه انتشر بالقوة أو بحد السيف، كما يقولون ونصوص القرآن وصحيح الحديث وصحيح أخبار السيرة النبوية جديرة أن تزيل هذا الوهم، وأستطيع تصنيف الإسلام للبشر حسب معتقدهم، وكذلك تصنيف اليابس والماء كما يأتى.

 

ــ2ــ

 

فالقرآن يبين بجلاء أن البشر من حيث «معتقدهم» إما «مسلمون» مثلنا وإما «أهل كتاب»، وهم «جميع اليهود والنصارى» إما «مشركون أو لا دينيون»، فالمسلمون إذا وجدوا فى وطن ليس فيه عقيدة أخرى فذلك وطن خالص لهم يتولون مباشرة حكمه وإدارته وتنظيم سياساته، مرتبطين فى ذلك بالقرآن والسنة من ناحية ويتوافق جميع أفراد المجتمع البالغين الراشدين على جميع السياسات والنظم والقوانين دون سيادة تيار أو مذهب على آخر وقانونهم فى ذلك «سددوا وقاربوا». أما إذا ضمت المواطنة مع المسلمين (أهل الكتاب) فنحن أمام قاعدة شرعية واضحة «لهم مالنا وعليهم ما علينا»، وللجميع دون استثناء حق المشاركة الفاعلة فى إدارة شئون الوطن وتحمل نصيبهم فى إعمار البلاد فضلا على اختصاصهم دون المسلمين بإدارة وتنظيم طقوس شعائرهم وشئونهم الأسرية، كما ترى رياسة كنائسهم.

 

وإذا ضمت المواطنة فى هذا الوطن فئة من غير المسلمين ومن غير أهل الكتاب، وهم المشركون ومن ليس لهم دين سماوى، فهؤلاء يتمتعون بحقهم فى المواطنة كاملا، ويبقى صفو السلام يظلل الجميع ويتيح للجميع حرية الاعتقاد مشروطا بعدم التجاوز أو التعرض لبعض المعتقدات الأخرى».

 

ــ3ــ

 

وفى ضوء ذلك يفهم حديث النبى (صلى الله عليه وسلم) (أمرت أن أقاتل الناس)، فالمقصود بالناس هنا الناس المشركون المقيمون فى الجزيرة العربية بدليل أنه لم يقاتل المسيحيين فى تبوك، كما عاهد اليهود فى المدينة، أما جميع البلاد التى لا يشكل المسلمون فيها أغلبية غالبة، فالمسلم غير مكلف بالتدخل فى الشأن العام إلا فى حدود ما تسمح به أعراف وقوانين تلك البلاد، حتى لو حصل على جنسية تلك البلاد فليس له مع غير المسلمين فى تلك البلاد إلا حسن الجوار وحسن الحوار وللمواطن المسلم حقوق المواطنة المكفولة لغيره من المواطنين، والمسلم الوافد للسياحة أو العمل يتاح له ما يتاح للأجانب دون زيادة أو نقصان.

 

ــ4ــ

 

أما اليابس والماء العالمى كله فهو أربعة أقسام، أولها «جزيرة العرب بحدودها»، وثانيها بلاد يكثر فيها المسلمون عن غيرهم زيادة ملحوظة، وثالثهما بلاد لا يكثر فيها المسلمون أو لا يوجدون بها، والقسم الأخير هو الأراضى والمياه غير المسكونة والتى تعتبر أراضى ومياها دولية

 

أما إقليم جزيرة العرب فهو «مقر التوحيد وسياج الكعبة» منذ أيام إبراهيم وإسماعيل، وقد دان عرب هذه البلاد بالإسلام منذ إبراهيم وإسماعيل فلما بعث الله محمد ليجدد الإسلام ويعيد التوحيد لحقيقته، ويخلصه من الشرك والكهانة التى أحاطت بالكعبة استلزم ذلك تخليص جزيرة العرب من آثار الوثنية الطارئة عليها حتى يخلص محيط الكعبة من أى منغصات. ولهذا حينما اتفق الروم مع الغساسنة على العدوان على المسلمين خرج النبى (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه فأسرع الروم بالفرار واستشعر الغساسنة العجز فاعتذروا، وأعلنوا عدم تورطهم مع الروم من بعد وعقد اتفاق الموادعة مع الغساسنة وأقرهم فى أرضهم مع أنه (صلى الله عليه وسلم) قال عن جزيرة العرب أثناء رجوعه: «لا يجتمع فيها دينان» مع أنه ودع المسيحيين فى تبوك، فمعنى ذلك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) يقول لا يجتمع فى الجزيرة سلطتان تخشى كل منهما الأخرى.

 

يتبع

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved