هامش للديمقراطية ــ ملاحظة دستورية عن الحقوق الأساسية

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

نعود إلى البدايات: إذا كان التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع يكفل حريات وحقوق المواطن الأساسية ويضع فى الأطر الدستورية والقانونية الضمانات اللازمة للحيلولة دون العصف بهذه الحريات والحقوق، فإن الديمقراطية تتبلور، وتستقر أيضا بإنفاذ سيادة القانون التى تمنع المواطن والكيانات الجمعية، التى قد ينتمى إليها (أحزاب وجمعيات ومنظمات وغيرها) من توظيف الحريات والحقوق الأساسية لهدم التنظيم الديمقراطى أو للتعدى على حريات وحقوق الآخرين.

تنص المادة ١٨ من الدستور الألمانى (القانون الأساسى)، ولها نظائر فى دساتير عديدة أخرى، على أن «من يسىء استخدام حرية التعبير عن الرأى خاصة حرية الصحافة أو حرية نشر العلم أو حرية التجمع أو حرية التنظيم أو سرية الرسائل والبريد والاتصالات أو حق الملكية أو حق اللجوء بهدف مناهضة النظام الأساسى الديمقراطى الحر، يحرم من هذه الحقوق الأساسية. وتحدد المحكمة الدستورية الاتحادية منطوق الحرمان ومداه».

استنادا إلى المادة ١٨ هذه، أصدرت المحكمة الدستورية الألمانية ومنذ عام ١٩٤٩ مجموعة من الأحكام التى حرمت بمقتضاها مجموعات يمينية متطرفة (وبدرجة أقل وخاصة فى الخمسينيات والستينيات بعض المجموعات الشيوعية) من ممارسة حرية التعبير عن الرأى وحرية التجمع وحرية التنظيم السياسى فى أحزاب لثبوت تورطها فى توظيف هذه الحريات والحقوق فى الترويج لآراء وأفعال تناهض الديمقراطية.

واستنادا إلى أحكام المحكمة الدستورية، جرى القضاء الألمانى على الحظر القانونى لصحف ومواقع إخبارية مرتبطة بالمجموعات اليمينية المتطرفة وحظر تجمعاتها وتظاهراتها ونزع الشرعية القانونية عن بعض الأحزاب المرتبطة بها (تؤسس الأحزاب السياسية بالإخطار وفقا للقوانين الألمانية).

واستنادا إلى أحكام المحكمة الدستورية أيضا، جرى القضاء الألمانى على تخويل السلطات التنفيذية «حق الرقابة» على بعض هذه المجموعات، خاصة تلك التى ثبت عليها التورط فى العنف أو التحريض عليه، فى إطار إشراف القضاء والبرلمان الكاملين على أعمال السلطة التنفيذية فى هذا الصدد.

مصر اليوم، وكما تحتاج لضمانات قاطعة لحريات وحقوق المواطن ولمدنية الدولة ولتداول السلطة ولاحترافية المؤسسات العسكرية والأمنية وابتعادها عن السياسة، فى أمس احتياج بعد خبرة الفترة الماضية إلى نص دستورى قاطع شبيه بالمادة ١٨ من الدستور الألمانى يحول بين المواطن والكيانات الجمعية التى قد ينتمى اليها وبين إساءة استخدام الحريات والحقوق الأساسية لمناهضة التنظيم الديمقراطى.

مصر فى أمس احتياج لنص قاطع يمكن القضاء المصرى، اعتياديا وليس بإجراءات استثنائية، من المنع القانونى لاستخدام حرية التعبير عن الرأى أو حرية التجمع والتنظيم للترويج لآراء وأفكار تتناقض مع قيم الديمقراطية والحرية والمواطنة (التكفير والتخوين والطائفية والمذهبية والتمييز والتشويه لحسابات سياسية) أو لأفعال وممارسات تتناقض معها كتكوين الأحزاب على أسس تمييزية أو توظيف الآليات الديمقراطية كالانتخابات وتداول السلطة للانقلاب عليها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved