عدالة اجتماعية.. انتقالية

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

ربما من أسوأ ما واجهته ثورة ٢٥ يناير، أنها انشغلت مبكرا جدا (مارس ٢٠١١) بصراع هوياتى موسع (دينى / مدنى / عسكرى) سيطر على مقادير الثورة المصرية بصورة مذهلة، وربما أيضا مازال هذا الصراع هو المسيطر على المشهد العام فى البلاد رغم مرور أكثر من ثلاثين شهرا على نجاح الثورة، وشهور طويلة على نجاح العديد من موجاتها الثورية، وهذه السيطرة كانت بوضوح شديد على حساب أى تقدم أو انشغال بالصراع الاجتماعى، الذى هو فى الأساس المفجر العميق للثورة، وهو أيضا الذى سيعكس نجاحها فى نهاية الأمر وحسمها لصالح غالبية المواطنين الذى من المفترض أن الثورة قامت من أجلهم ولإنصافهم واستعادة حقوقهم المهدرة عبر عصور سياسية مختلفة، وكان تعبير «العدالة الاجتماعية» هو التعبير الدائم الذى استهلكناه كثيرا، سياسيا وإعلاميا، دون أن نتخذ أى إجراء حقيقى (أو شكلى، أو حتى وهمى) نحو تحقيق فكرة هذه العدالة، تماما مثل حديثنا عن العدالة الانتقالية لدرجة تأسيس وزارة لإنجاز هذه المهمة، دون أن نفعل شيئا أو حتى نشرع فى فعل أى شيء، من هنا تأتى أهمية مقال خبير الاقتصاد حسن هيكل «الأغنياء.. وطنية ما قبل المحفظة» والذى نشر فى صحيفة «المصرى اليوم» بتاريخ « ٣ أغسطس ٢٠١٣» وليفتح مجددا قضيتنا الكبرى المنسية «العدالة الإجتماعية» خاصة أن المقال جاء صارخا بضرورة إعادة تصحيح المشهد وتركيبه بما يليق بالثورة وبما يتناسب مع عدالة توزيع أعباء المرحلة الانتقالية على الفئات والطبقات كل على حسب قدرته، مغلفا ذلك برؤية تشريعية محددة، فى إطار مبهر بالتأكيد على مفهوم الوطنية، وبشجاعة تسمية المسميات بأسمائها: أغنياء ومحفظة ووطنية.

 حسن هيكل يتحدث فى مقاله بالغ الذكاء والحرفية الإقتصادية / التشريعية، عن ضرورة فرض ضريبة خاصة على الثروة « لمن تزيد ثروته على 10 ملايين دولار، والتى لا تنطبق على 99.9 % من الشعب المصرى « كاشفا بحلاء عن « ان تكلفه الفتره الانتقاليه ما زالت تتحملها الطبقه المتوسطة والعاطلين فى هذا الوطن، وذلك بالرغم من ان الطبقه المتوسطه دفعت حوالى 20 – 25% من دخلها فى شكل ضرائب دخل فى اخر 20 سنه، فى حين لم يدفع الاغنياء اكثر من ١ % « شارحا « ان السبب الرئيسى فى عدم دفع الاغنياء لضرائب هو ان القانون اعفى توزيعات الاسهم والارباح الراسماليه من ضريبه الدخل « مقدرا « قيمه الثروات المملوكه لهذه الشريحه (ثروتهم اكثر من 10 ملايين دولار) هى فى حدود 50 مليار دولار، وهو رقم يساوى حجم الدين بالعمله الاجنبيه للدوله المصريه، ويتعدى الاحتياطى النقدى للوطن. ان تطبيق ضريبه ثروه لمره واحده لمن يتعدى ثروته 10 ملايين دولار سيجلب للدوله ما يقرب من 10 مليارات دولار» مؤكدا « ان هذه الضريبه ليست بدل افساد، لان الفساد مجاله مختلف «.

أعتقد، أن التفكير على هذه الشاكلة، ضرورة ملحة للمجال العام فى مصر، خاصة فى ظل حكومة مثقلة بأعباء أمنية، متخوفة من إتخاذ إجراءات قاطعة للسير فى اتجاه العدالة الاجتماعية، رغم تشكيلها لجنة لمعالجة هذا الملف، وأعتقد كذلك، أن فكرة حسن هيكل لا تتعارض مع أية أفكار أخرى بشأن العدالة الاجتماعية، فهى بمثابة «عدالة اجتماعية انتقالية» وتصحيح لعوار تشريعى، نفترض فيه حسن النية، ولا تتغول على حقوق الأغنياء، ولا تمس كرامة الفقراء، لأن الضريبة حق وواجب، كما أن فى هذه الفكرة مكاسب اجتماعية لأصحاب الثروات، وتزيل الكثير من أسباب الالتهاب الطبقى، وتدفع المجتمع برمته للإحساس بالعدالة والاطمئنان للآخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved